نهر او ((روبار)) يجري بهدوء واناقة بين جبلين، ذلك هو الذي يفصل الحدود بين العراق وتركيا في منطقة ((خوا كورك))، ورغم انّ المسافة بينه ومقراتنا تتسع في مكان وتضيق في اخر، لكنها لا تقل عن اربع الى خمس ساعات سيرا على الاقدام.

 يتجاوزنا ((الروبار)) ويسير في اسفل ((ده شت براز كرت)) ثم ينحرف ليدخل في عمق الاراضي التركية، وفي نقطة لم اصلها يلتقي مع ((روبار عادل بكَ)) الذي ينحدر من اعالي الجبال التركية ويدخل الاراضي العراقية، فيشكلان مجرا قويا ومعيقا في النقطة الوحيدة التي تقع في مرمى نيران الجيش العراقي والتي تعبر منها مفارز الانصار القادمة من لولان باتجاه بهدينان وبارزان او بالعكس.

من نقطة العبور هذه وحتى مقر المكتب العسكري في ((بير بنان)) شرقا، يقدر طول المسافة بـ 10 ساعات تقريبا، امّا المسافة التي تمتد من الحدود التركية وحتى مقراتنا القديمة في ((دراو)) عرضا فلا تقل عن 7 او 8 ساعات، وهذه المنطقة بطولها وعرضها هي منطقة عملنا التي نستطيع ان نتحرك بداخلها بنسبة عالية من الاطمئنان.

قلت اجبرتنا الظروف العسكرية على الانتقال التدريجي الى ((وادي خوا كورك))، ولضيق منجم الذاكرة، وكذلك بسبب تنقلاتي الكثيرة بين القواطع حيث اغيب عن المنطقة لفترات زمنية طويلة واعود اليها ثانية، لا استطيع ان احدد بالضبط اي المقرات كان اولا وايها كان الاخير، ولكن على العموم، فقد كانت لنا مقرات مؤقتة وطارئة وهي اشبه بمفارز استطلاعية انتهت بانتهاء المهمة التي كُلفت بها.

ومن تلك المقرات المؤقتة، هو الفصيل الذي تشكل بقيادة النصير ماموستا هجار ابان انعقاد المؤتمر الرابع للحزب، ويقع هذا المقر الذي نطلق عليه اسم ((اسبندارة)) بين التلال المحيطة بـ((كَلي ره ش)) من جهته الشمالية والسلسلة المشرفة على قرية ((ليله كان)) من جهته الجنوبية، وانيطت بهذا الفصيل مهمة الانذار المبكر بالاضافة الى استقبال وفود المؤتمرين القادمين من القواطع الاخرى.

في تشرين الثاني من عام 1985 انعقد المؤتمر الرابع للحزب في ((كَلي خوا كورك)) واستمر لمدة خمسة ايام، كان للسلطة الحاكمة في بغداد معرفة في انعاقد المؤتمر لكنها لم تحصل على المعلومات الكافية المتعلقة بمكانه بشكل مضبوط وبوقته المحدد، ومع ذلك تعرضت المنطقة الى قصف شديد في محاولة لعرقلة انعقاده والتأثير على معنويات الانصار، لكن جميع محاولاتها بائت بالفشل، حيث انعقد المؤتمر الذي يعتبر علامة مهمة في حياة الانصار، ففيه تم التخلص من النزعة لدى البعض القليل التي تدعو الى الاستسلام، كما انظمّ 10 من الشباب الى اللجنة المركزية بالاضافة الى اشياء كثيرة تتعلق بشعارات الحزب الآنية وتوجهاته اللاحقة.

ومنذ ذلك الحين، تغيّر الطريق الذي تسلكه المفارز المتوجهة من سوران الى القواطع الاخرى او القادمة من هناك الى مناطقنا، فصار لزاما عليها ان تدخل في ((كَلي ره ش)) ومعناه الوادي الاسود، فهو بالاضافة الى كثافة اشجاره، تنتشر في اعماقه حجارة محروقة كما لو انّ الوادي تعرض الى بركان قديم ترك اثاره الى يومنا هذا، ويتراوح طوله بين ساعتين الى ساعتين ونصف، وفي نهايته يقع ((مقر للبارتي)) وهو نفس ((مقر الحياة)) الذي انتقل من منطقة ((ليلة كان)) بعد ان اصبحت ساقطة عسكريا.

يتبع

عرض مقالات: