(تهنئة خاصة للرفيق النصير ابو رائد الشايب ولكل الانصار اصحاب تلك المسيرة الجميلة بمناسبة الذكرى الـ 85 لميلاد الحزب.)

ربما لا يخطر ببال الكثيرين، بأنّ الجبل ليس مجرد مكان، إنما هو عبارة عن قصص طويلة وروايات معقدة واحداث وممثلين وادوار غريبة، جبل مفارقات واستعارات وصور شاحبة وغير مكتملة، جبل خيال حزين وقيثارة ممتلئة بالتراتيل والتنهدات!. هكذا هو الجبل، واحد من العجائب القليلة التي تستدعي المزيد من التوقف والتأمل والاكتشاف.

ومن هذا الادراك، حاول اغلب الانصار كسر القيود للتعرف على ذلك اللغز المحيّر، فهاموا على الحدود بين القمم والوديان حاملين على ظهورهم رسائل العشق والاخبار والبريد والسلاح والعتاد متحدين المخاطر والعواصف والكمائن في ((مفرزة الطريق او مفارز الطرق الاخرى ونقل المعدات والتموين، ومفارز طبية واستطلاعية وقتالية لا تنفك تخرج من معركة حتى تدخل في ثانية))، امّا في منطقة ((خوا كورك)) فكان النصير ابو رائد الشايب في مقدمة من عملوا  في هذا المجال ثم التحق به كل من الانصار ابو العباس وابو مكسيم والفقيد ابو اصطيف وغيرهم، وسأقتبس شيئا مما كتبه النصير فيصل الفؤادي في مؤلفه ((مسيرة الجمال والنضال)) عن ذلك الرجل صاحب الشعر الابيض:

((لابد لي ان اشير الى بعض الرفاق الذين اجادوا في عملهم وخاصة في نقل السلاح  بين بهدينان ولولان ومنهم رجل في الاربعين من العمر، شعره ابيض ثلجي ووجهه احمر، لا يفهم اللغة الكردية، كان يسهر الليالي ويمشي الايام لمدة اربع سنوات، لا يمل ولا يتعب، هذا الرجل هو ابو رائد الشايب الذي ترك طفليه وزوجته في اليمن الديمقراطية ليلتحق بحركة الانصار، ابن بغداد يعرف الجبال والصخور والوديان واماكن الاستراحة ومناطق الخطر، وكانت مجموعته التي تسايره المخاطر والتعب والسهر متكونة من  ابو مكسيم وابو العباس وابو اصطيف وابو هادي وغيرهم، هؤلاء كانوا عناوين للاقدام والتضحية ونالوا احترام الحزب ومنظماته)). انتهى الاقتباس.

كانت الحركة دؤوبة وخاصة في العام 1983، لا يمر اسبوع الا وتخرج من لولان مفرزة باتجاه بهدينان والقواطع الاخرى او باتجاه الحدود مع سوريا، وكنّا اشد ما نعاني منه هو عبور ((الروبار)) الذي يتطلب المزيد من القوة الجسدية والحذر الشديد ومهارة في السباحة خاصة بالنسبة للرفاق الذين لا يعرفون العوم وكذلك النصيرات وكبار السن.

في ذلك الوقت كان علينا ان نعبر النهر مرتين، مرة نعبره من منطقة نطلق عليها اسم ((مرتع الخيل)) وهي عبارة عن سفح قليل الانحدار وكثيف العشب والماء وترعى فيه الخيل الغير مروضة وتقع في جانب ((الده شت)) القريب من الربايا العراقية. في هذا المكان، كادت ان تغرق الشهيدة فاتن، فما ان قطعت مسافة وقبل ان تصل الى وسط النهر حتى مالت وفقدت السيطرة فجرفها التيار فورا، وفي لمح البصر خاض نصيران في المياه واستطاعا اللحاق بها وانقاذها قبل ان يرتطم راسها بالصخور. امّا النقطة الاخرى والرئيسية للعبور فتقع في المنطقة القريبة من ((عادل بكَ)) وهي الاكثر خطورة من حيث شدة التيار ومن حيث موقعها العسكري.

وبعد تركنا لتلك المنطقة وانتقالنا الى ((كَلي خوا كورك)) اصبحت امامنا منطقة عبور واحدة وهي النقطة الثانية ((عادل بكَ)) التي ذكرتها اعلاه وسببت لنا الكثير من المشاكل خاصة في الربيع والصيف حيث تبدأ الثلوج بالذوبان ويرتفع منسوب النهر ولا يهدأ الاّ في فصل الخريف.

هكذا تعرف الانصار على هذا العملاق الذي يقف كسد منيع امام حياتهم الطبيعية، وبهذه الطريقة تعرفوا على الوادي الذي يظهر فيه وجه الملاك وعلى الحجر الذي يختبئ تحته رأس الشيطان.

يتبع

 

 

عرض مقالات: