كان هذا عنوان لندوة حوارية اقيمت على قاعة نادي 14 تموز الديمقراطي العراقي في ستوكهولم ، بتاريخ 28 ايلول 2018 وبحضور جمهور من المختصين والمهتمين بالكارثة الانسانية والبيئية التي تعصف بمدينة البصرة .

اعد وقدم مادة الندوة الاستاذ عبد الرضا المادح والمبنية على المعايشة والمتابعة لجذور نشوء وتطور الكارثة وتأثيراتها على الانسان البصري والبيئة .

ابتدأت الندوة بالوقوف دقيقة اجلال لشهداء ( انتفاضة الماء ) مع عزف النشيد الوطني وعرض صورة جامعة لشهداء البصرة السلميين الذين ضحوا بحياتهم من أجل مطالب أهل المحافظة المنكوبة.

ثم استهل المحاضر حديثه بمقدمة كتبها :

كان ياما كان في حكايات الزمان ،

كانت هناك بصرة البستان

ترقص فيها قبرة ٌتحت شجر الرمان

وتجمع تحت جنحها التمر والتين وعطر الريحان ،

ثم تغفو على انغام ناي تومان .

هكذا سوف نستهل ُّاقاصيصنا الليلية لأحفادنا وأجيالنا القادمة ،

كترنيمة للنوم فيسرحون بأحلام جميلة هانئة

ويحسدون اجدادهم على تلك النعمة التي طمروها

بماء الملحِ والنفط ونذالة السلطان !

ثم تحدث عن العمق التاريخي لبلاد مابين النهرين ( ميسوبوتاميا ) ونشوء اولى الحضارات ، السومرية والاكدية والبابلية والاشورية والكلدانية ... ألخ وأثر وفرة الماء والسلة الغذائية في نشوء تلك الحضارات واطماع الاقوام المجاورة والامبراطوريات التي توالت على غزوا بلاد مابين النهرين ، حتى الغزو الامريكي الذي جاء طمعا ًبالنفط الوفير وليس الماء الذي بدأ يختفي من وسط و جنوب وادي الرافدين !!  

ثم تم عرض فلم وثائقي ( بور بوينت ) من تصوير واعداد المحاضر في عام 2008 ، تضمن صور قديمة جميلة لواقع مدينة البصرة مع موسيقى بصرية ، ثم ينتقل الفلم بصمت الى الواقع المأساوي للمدينة ، فيعرض أنهارها الملوثة والمطمورة وكذلك النفايات المكدسة في شوارعها ، مما خلق صدمة للحضور لفداحة المشاهد .

كذلك تحدث عن الاثر الايجابي لظاهرة الفيضانات سابقا ودورها في تجديد التربة بترسب الطمي ، كذلك وارتباطا بظاهرة المد والجزر في البصرة ومن خلال شبكة الانهر الواسعة حيث ترتفع المياه العذبة والجوفية الى مستوى سطح التربة ، فتقوم بعملية اذابة الاملاح فيها وجرفها مع الجزر الى البحر، وتلطيف حرارة الجو صيفا .

بدأ التدهور البيئي التدريجي منذ انشاء السدود ، لتتكامل مع جريمة تجفيف الاهوار من قبل نظام البعث، وانشاء قناة ( شط البصرة ) ، ثم تجريف بساتين النخيل على ضفاف شط العرب لتتحول الى جبهة حرب ويهجرها الفلاحون ، واهمال عملية تنظيف الانهر من الاندثار ومخلفات الحرب ، كما ساهمت وبقوة سياسة تركيا وايران في بناء السدود وتغيير مجرى الانهر وتصريف مياه البزل الى الاراضي العراقية ، كل ذلك ادى الى نقصان شديد في مياه نهري دجلة والفرات وشط العرب مما أدى الى أندفاع اللسان الملحي القادم من البحر بأتجاه شمال البصرة ، وتشبعت التربة بالاملاح وتحتاج لسنين طويلة لتتم عملية غسلها في حالة توفر المياه العذبة كما في السابق !

والكارثة الكبرى التي تتسبب بالتلوث البكتيري والسموم ، هو التصريف المستمر الى الانهر كل مخلفات المدن والمعامل والمستشفيات من مياه ثقيلة ومواد كيمياوية من الحدود الشمالية حتى مدينة الفاو !! فأصبحت مياه الانهر في البصرة ملوثة لدرجة مخيفة ، حيث يتغير لونها بين الاسود والوردي ، وكمثال لا يتجرأ احد بالنزول الى نهر العشار واصبحت رائحته مقززة !

وهكذا بدأ الموت والانقراض الواضح يتسلل الى البساتين فتموت النخيل واقفة ، وتطفوا الاسماك والاحياء الاخرى لتتعفن وتزيد الطين بله ! وانقطعت الطيور المهاجرة كاللقلق والببغاء والبط وغيرها ، ونرى بحزن البلابل والعصافير والفخاتي ممددة على الارض بلا حراك ! وحتى الازهار والفراشات اختفت تماما من شوارع البصرة !

 وبدأت آثار الكارثة تظهر بقوة على البشر ، من أمراض سرطانية وتسمم وغيرها مما يؤدي الى الموت المبكر ، وتؤكد الاخبار اليوم أن أكثر من مئة ألف (الرقم الرسمي) تعرضوا للتسمم ! واجراءات الحكومة لا ترتقي الى حجم الكارثة !!

ثم قدم الحضور مداخلاتهم واستفساراتهم القيمة ، وكانت مداخلة الدكتور علاء المقدادي متميزة بحكم اهتمامه بمجال التلوث البيئي ، فأشار الى أن هناك جهات دولية ومتخصصين عراقيين قدموا دراسات وحلول من سنين واشاروا لخطورة الحالة ، ولكن تم تجاهلها من قبل حكومة الفساد والمحاصصة القومية والطائفية المشغولة بالصراع على النهب والمناصب !!

ثم انتقل المحاضر الى فقرة الحلول وأوجز بعضا منها :

1 – الضغط بقوة بالاستعانة بجهات دولية والتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية ، لزيادة الاطلاقات المائية واعادة الانهر الى سابق عهدها.

2 – تخصيص ميزانية اضافية لتوفير مياه الشرب يوميا بالقناني والحوضيات الجديدة وتخضع للفحص المتواصل.

3 – قبل عام في 2017 قدمت مقترح بمقال منشور لاستباق الازمة ، بمد انبوب مياه كبير من شمال العراق الى محطات التنقية في البصرة مباشرة.

4 – التعاقد مع شركات عالمية رصينه وبعيدا عن الفساد لوضع الحلول وتنفيذها.

5 – هناك فكرة متداولة ببناء حاجز ( سد ) عند منطقة أبو فلوس ، ولكي لانعدم شط العرب كوسيلة نقل ، اقترح أن يكون سدّين بينهما مسافة كافية للسماح بمرور البواخر يفتحان ويغلقان على التوالي ، وكذلك السماح بتصريف المياه الى البحر عند الحاجة.  

و يتطلب ايضا تجديد شبكة أنابيب مياه الشرب والمياه الثقيلة ، وتجديد محطات التنقية وتدريب الكادر الفني وتوفير المختبرات الحديثة وكري وتنظيف الانهر وغيرها فالكارثة كبيرة والحلول معقدة ومكلفة وطويلة الامد.

دامت الندوة ساعتان وفي الختام شكر المحاضر السادة الحضور ، كما قدمت له باقة ورد.

عرض مقالات: