أهتم صديقي الصدوق أبو سكينة جدا بأخبار تظاهرات الاحتجاج التي عمت مختلف المدن العراقية، احتجاجا على استمرار تردي الاوضاع عموما، وعجز وفشل حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية عن الأيفاء بوعودها وتوفير الخدمات من كهرباء وماء، مع التدهور المستمر والمريع في قطاعات الصحة والتعليم والنقل، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، مما افقد عموم الناس ثقتهم بالقوى المتنفذة التي اثبتت فشلها في ادارة البلاد منذ 15 عاما، دون ان تحقق اياً من وعودها التي كررتها خلال حملاتها الانتخابية، مما زاد من شدة الاحتقان الاجتماعي، فكانت التظاهرات الاحتجاجية اسلوب جماهير الشعب لاشهار مطالبها المشروعة، التي طالما كررتها بوسائل متعددة دون ان تلاقي آذانا صاغية.
أن مواجهة هذه التظاهرات، وهي حق دستوري، بالرصاص الحي وأساليب القمع المختلفة من إستخدام الرصاص الحيّ والاعتقال والتنكيل، ما تسبب في سقوط شهداء وجرحى، هو فعل مدان، وغير مقبول وعلى الجهات المسؤولة والمعنية، التوجيه بالحفاظ على أرواح المواطنين، كما ان المتظاهرين مطالبون بالحرص على ان تكون تظاهراتهم سلمية، ودون الاضرار بممتلكات الدولة والمواطنين.
في زيارتي الاخيرة بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، لم أره غاضبا مثلما رايته في الايام الاخيرة. كان منزعجا من استخدام القوة والقمع في مواجهة التظاهرات. كان يحدث ابو جليل، وعيناه تقدحان شررا ويرفع صوته عامدا حتى نسمعه:
ـ في زمن صدام كنا نقول نظام ديكتاتوري وفاشي، زين انتم الذين ناضلتم ضد ازاحة نظام صدام ليش تلبسون ثوبه وتنكلون بابناء شعبكم؟
كنت ساعتها أحدث جليل عن زيارتي الاخيرة الى طبيبي المعالج، الذي كتب لي دواء جديدا، اذ استبدل ادويتي لضغط الدم، مرتين خلال فترة الشهور الاربعة الاخيرة، فكل دواء كان يصفه لي تكون له اعراض جانبية مزعجة، فالدواء الاول سبب لدي تورم الساقين بمجرد الجلوس لاكثر من ساعة، أما الدواء الثاني فسبب سعالا مزعجا يمنع النوم. كان ابو سكينة يجلس ليس بعيدا عنا يستمع، وبنفس الحماس والعصبية واصل حديثه وهذه المرة معي مباشرة:
ـ هذا طبيبك يجرب براسك وصفات، شرق وغرب، مثل حكومات المحاصصة، جعلت من شعبنا العراقي حقل تجارب لوعودها ولم توفر له الحياة الحرة والكريمة، والاعراض الجانبية لوعودها خربت البلد، اهدرت المال العام ورهنت مستقبل شعب ووطن الى المجهول. بوية انت مثقف وعارف اذا ما تغيرطبيبك بواحد فاهم ومعدل راح تكون النتيجة كارثية، فلازم يكون هناك حل عاجل وشافٍ!