هكذا اصبح الشعب العراقي بين فكين لا يرحمان، فك طغمة الفساد وفك تلاميذ المدرسة الليبرالية المتوحشة.
ففك طغمة الفساد إلتهم الأموال العامة بطرق لم تخطر على بال أكبر واخطر عصابات المافيا بالعالم، باسم مشاريع “اعمار وتنمية العراق وإعادة بنائه” التي لم تثمر اعمارا ولا تنمية ولا بناء. كل ما لمسناه هو استشراء الفساد، وامتداد شبكاته الاخطبوطية الى معظم ما خصص للاستثمار، في الميزانيات المقرة غداة تشكيل اول حكومة بعد نيسان ٢٠٠٣.
أما فك تلاميذ المدرسة الليبرالية المتوحشة، فيتهيأ اليوم لالتهام ربع مدخرات العراقيين بعد خفض قيمة الدينار العراقي بنسبة الخمس تقريبا، وتنفيذ استقطاعات تشمل رواتب ومنتسبي قطاع الدولة، ولا يسلم منها حتى المتقاعدون الذين لا يتجرأ قرار في العالم على النيل من استحقاقاتهم. واكثر من هذا ان جملة تداعيات ستتبع، منها رفع اسعار المحروقات وفرض ضرائب إضافية، ما يثقل كاهل الكادحين ومحدودي الدخل. وستنخفض القدرة الشرائية للناس وترتفع معدلات الفقر وتتزايد البطالة المرتفعة اصلا، ما يدفع الى توقع حدوث هزات اجتماعية.
والامر المؤسف ان هذا القرار اتخذته حكومة أتت في اعقاب انتفاضة تشرين الباسلة وكان مفترضا ان تلبي مطالب المنتفضين، خاصة تأمين فرص عمل وتحسين أوضاع المعيشة. فاذا بها تبتعد كثيرا عن مراعاتهم وانصافهم وهم الذين تجرعوا طوال السنوات الماضية مرارات البطالة والظلم والحرمان، وتتخذ اخطر قرار لم تجرؤ اية حكومة سابقة على اتخاذه!
لقد تجاوز تلامذة المدرسة الليبرالية المتوحشة بصلافة كل الحدود، ووجهوا ضربات مؤلمة تحت الحزام الى الكادحين، وتطاولوا بصورة غير معهودة على لقمة الفقير عندما لم يجدوا سبيلا لتجاوز الازمة النقدية سوى خفض قيمة الدينار العراقي. وبهذا برهنوا على وفائهم لوصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في خطوة تضع موارد العراق واقتصاده رهن اشتراطات هاتين المؤسستين “العريقتين” في فرض الهيمنة والاستهتار بمصالح الشعوب.
وفي المقابل تجنب هؤلاء التلاميذ النجباء لوحوش الليبرالية اتخاذ أي اجراء مؤثر ضد الفاسدين وناهبي ثروات العراق.
وإن اقل ما يقال عن نهجهم هذا هو انه كفيل بزعزعة الاستقرار وهزّ النسيج المجتمعي والمزيد من خلخلة الوضع الاجتماعي/الاقتصادي المتخلخل اصلا.
لكن هؤلاء يتوهمون في اعتقادهم ان هذه السياسات المعادية للكادحين ستمر دون مقاومة. بل ستكون نتائجها وخيمة على من اتخذوها، كونهم قصيري نظر لا يفقهون، ويبدو انهم لا يدركون شدة رد فعل المحروم.

عرض مقالات: