في هذه الايام تزداد أزمة انقطاع التيار الكهرباء عن بيوت العراقيين بشكل لافت، وعلى مدى سبعة عشر عاما تحولت الأزمة الى لغز محير عجزت الحكومات المتعاقبة على تفسيره وتخليصه من عقدة أوديب، على الرغم من سنوات الرخاء في الموارد التي دخلت إلى خزينة الدولة والتي انتقلت بقدرة قادر إلى خزائن الفاسدين الذين راهنوا على صبر العراقيين غير آبهين بصرخاتهم الاحتجاجية.

إن هذا اللغز عبارة عن أزمة مستدامة ناتجة في الأساس عن حزمة من العوامل التي تدور نفسها في كل عام بسبب عمليات فساد وهدر في الأموال المخصصة لإنتاج الطاقة، فقد كشف التقرير الصادر عن اللجنة البرلمانية المشكلة لدراسة أوضاع الكهرباء، أن مجموع المبالغ  المخصصة لوزارة الكهرباء للفترة بين 2005 و2019 بلغت 81 مليار دولار، وأن الفرق بين المبلغ المصروف من مجموع القروض الدائنة للوزارة كان أكثر من مليار دولار خاصة وأن اعتماد الوزارة على القروض الخارجية مع عدد من المؤسسات المالية الاجنبية ومن ضمنها البنك الدولي في تمويل بعض مشاريعها والتي وصل مبلغ ضمان الدين السيادي إلى عدد من الشركات الاجنبية والمحلية 5 مليارات دولار، كما أن الاختلاف بين التخصيصات السنوية المصروفة لوزارة الكهرباء والمصروفات الفعلية المثبتة في سجلاتها مقارنة مع التخصيصات السنوية والمثبتة في وزارة التخطيط بلغ وفقا لتقرير اللجنة 8،7 تريليون دينار.

وكشف التقرير بوضوح عن عمليات الفساد وهدر هذه الأموال في إبرام عقود فاشلة بعيدا عن جوهر متطلبات العملية الانتاجية الرشيدة في قطاع الكهرباء ومنها على سبيل المثال العقد المبرم مع شركة جنرال الكتريك الذي كلف الوزارة 6 مليار دولار   لإنتاج 7 الاف ميكا واط عبر شراء محطات توليد ولكن ليس بصيغة تعاقد التجهيز والنصب والتشغيل كما هو دارج في العقود الأصولية في مثل هذه الحالات وأيضا في سوء العقود المبرمة مع بعض الشركات الاستثمارية (بسماية وشمارا).

 والأمر الآخر الذي يقف وراء فشل انتاج الطاقة هي أزمة الوقود التي تحتاجها الوزارة سواء الإشكالية مع وزارة النفط وتعسر التنسيق بين الوزارتين مما اضطر الحكومة إلى الاتفاق مع إيران بتجهيزها بالغاز لديمومة عمل المحطات الغازية وما يصاحب ذلك في بعض المواسم من تقليص هذه الامدادات من الوقود والطاقة المستوردة منها التي تصل الى 1300 ميكا واط  وغالبا ما تحصل الأزمة في التجهيز عندما يتخلف العراق عن تسديد التزاماته البالغة 2،5 مليار دولار حاليا، مع العلم أن استيراد الطاقة  حسب إعلان الجهاز المركزي لوزارة التخطيط  قد ازداد في الربع الأول من عام 2020 بنسبة 35 في المائة مقارنة بالربع الأول من عام 2019 .  

إن سوء التخطيط يعد من العوامل التي ألحقت هدرا كبيرا بالأموال المخصصة لإنتاج الطاقة وأتاحت الفرصة لإبرام العقود الخارجة عن القوانين والأنظمة وأنتجت ثروات متضخمة للعناصر البيروقراطية المعشعة في الوزارة، ولأجل تجاوز هذا الفشل المستدام يستلزم منها الانتقال الى مرحلة جديدة وتغييرا في إجمالي مفاصل عملها من خلال:

  • ربط استراتيجيات إنتاج الطاقة الكهربائية بالاستراتيجيات التنموية وسياساتها ومتابعة تحقيق قدر أعلى من التكامل بين هذه الاستراتيجيات وبالخصوص معالجة توفير الوقود بالتنسيق مع وزارة النفط فيما يتعلق بالغاز وزيت الغاز عبر التوجه لتحقيق الكفاية من الإنتاج المحلي.
  • تصحيح تصاميم المدن وقوانين البناء وفقا للتصاميم التي يتوجب أن تضعها الدولة بما يتماهى مع التصاميم العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار مواصفات العزل الحراري لتخفيض مستوى استهلاك الطاقة الكهربائية وإعادة النظر باستيراد الاجهزة الكهربائية الاقتصادية في استهلاك الطاقة.

• استكمال المشاريع المتوقفة التي تعمل بطاقتها التصميمية قبل وبعد 2003 لتمكينها من الحصول على 1400 ميكا واط، فضلا عن إعادة تأهيل المحطات الحرارية وإنشاء وحدات جديدة في هذه المحطات الموجودة لقلة تكاليفها وطول عمرها الانتاجي.   

عرض مقالات: