في الوقت الذي تعاني الدولة من أزمة اقتصادية ومالية خانقة لدرجة وضعتها أمام عجز عن توفير رواتب موظفيها لأول مرة في تاريخ العراق الحديث بسبب سوء التطبيق الصحيح لقانون الإدارة المالية والدين العام واحكام التصرف بعقارات الدولة، فإنها ولأسباب متعددة لم تتعامل معها بوصفها جزءا من التنمية الشاملة وجعلها مصدرا ماليا فاعلا في معالجة الازمة.

ويتجلى ضياع هذه الاصول بأشكال وطرق متعددة ومنها على سبيل المثال أن 60 في المائة من هذه العقارات وتقدر ب 300 ألف عقار مستغلة بدون عقود وخارجة عن الطرق الأصولية التي نصت عليها القوانين النافذة، وأن استغلالها يتم من قبل أحزاب سياسية نافذة وجماعات مسلحة منفلتة ومواطنين مرتبطين بمافيات الفساد،  وان  40 في المائة من هذه العقارات مستغلة وفق عقود أصولية ولكنها بأجور وأسعار أقل بكثير من مستوى أسعار السوق،  حيث تقدر أسعار بيع المتر المربع من هذه الاصول خلال الفترة بين 2006 و2014 بستة دولارات مع أن سعرها في السوق يقدر بألفي دولار.

 وإن العقارات المستولى عليها بنفس الأسلوب  تتركز في بغداد وكربلاء والنجف والبصرة وكركوك قد تم الاستيلاء غير المشروع عليها عن طريق التزوير والتلاعب في السجلات الحكومية والوثائق الصادرة من الجهات الرسمية، وفي الغالب تصنف هذه العقارات بكونها إما اراض غير مشغولة أو أبنية حكومية  وقصور رئيس النظام السابق وعددها 68 قصرا، أغلب المتجاوز عليها في المحافظات أو مقرات حزب البعث ودوائر الأمن والمخابرات وأبنية عسكرية وأمنية ومقرات لجمعيات ونقابات مهنية أو دور تابعة لأزلام النظام السابق ومستولى عليها من قبل الدولة أو دور سكنية عائدة الى مواطنين عراقيين مهاجرين ضاقت بهم سبل العيش المستقر في بلد مأزوم.

إن مما يعقد معالجة هذا الملف الشائك هو ارتفاع حجم الفساد وسطوة القوى السياسية النافذة التي ينضوي تحت عباءتها سياسيون يلعبون دورا كبيرا في التغطية على هذه التجاوزات، بالإضافة الى فصائل مسلحة وأكثرها وضوحا في المنطقة الخضراء ومجمع الجادرية والقادسية وشارع الزيتون والكاظمية والحارثية وعقارات تقع على ضفتي دجلة في منطقة الكرخ والرصافة.

 إن بعض خبراء الاقتصاد يشير إلى أن الدولة لو نجحت في ضبط قيم هذه الأصول لحققت ايرادا لخزينة الدولة مقداره تريليون دينار في الشهر من مطاعم وفنادق ومحال تجارية ودور سكنية ومساحات تستخدم كمخازن تجارية، وعلى الرغم من أن الحكومة وهي المسؤولة عن ضبط وتعظيم ايراداتها قد لجات الى تشكيل لجان عديدة لمعالجة هذا الملف الشائك الا أنها خرجت بخفي حنين إما لمجاملات أو نتيجة لتهديد وابتزاز بعض الجهات النافذة أو لأنها لا تمتلك بيانات واضحة ودقيقة وتتحرك بعناوين وهمية.

إن جدية الحكومة في استرداد القيم الحقيقية لأصول الدولة المتجاوز عليها تتجلى قبل كل شيء بالحد من حوار الطرشان الذي لا يسمن من جوع، بل بخطوات واجراءات ملموسة من خلال تحشيد كل طاقاتها واجهزتها الرقابية والأمنية وتنظيم حركتها على اساس توفير معطيات كاملة عن هذه الأصول والابتعاد عن الازدواجية في التعامل مع المتجاوزين بغض النظر عن مراكزهم الحكومية والسياسية وتشكيل هيئة قضائية من قضاة معروفين بكفاءتهم ونزاهتهم وشجاعتهم في اتخاذ القرار.

عرض مقالات: