مهما يكن شكل الاقتصاد في بلد ما فان الدولة – الحكومة هي المسؤولة بالدرجة الاساس عن رسم السياسة الاقتصادية للاقتصاد الكلي وتحديد حجم الانفاق العام وتحشيد الموارد الاقتصادية من مصادر مختلفة لتغطية الانفاق بنوعيه الجاري والاستثماري وكل ذلك لا يتوافر له النجاح دون وجود خطة استراتيجية رشيدة تأخذ في الاعتبار رسم سياسات الانتاج والسياسات المالية والنقدية في اطار جامع ومنسق. فهل نجحت حكوماتنا المتعاقبة في تحقيق هذا الهدف؟
ان المتابع الاقتصادي للسياسات الحكومية للفترة المنصرمة يكتشف ببساطة سذاجة هذه السياسات في تصرفاتها الاستهلاكية فيكتشف بوضوح انها تتصرف في رفع منحنى الاستهلاك كما يتصرف الفرد دون حساب صحيح فالاستهلاك الحكومي يزداد كلما حصلت زيادة في موارد النفط بعيدا عن الاقتصاد الكلي واشتراطاته ويعلل بعض الاقتصاديين هذا التصرف الى ان اصحاب القرار في الغالب ينظرون الى قراراتهم بتأثير سلوكهم الغرائزي دون الرجوع الى قوانين الاقتصاد ودراسة الواقع الاقتصادي وحاجاته، فهم على سبيل المثال ينطلقون في قراراتهم في ضوء وجود علاقة طردية بين ايرادات النفط وحجم الانفاق الحكومي والدليل على ذلك ان مساهمات الايرادات النفطية في الموازنات السنوية تشكل اكثر من من 90 في المائة اما المصادر الاخرى فلا تزيد في احسن الاحوال عن عشرة في المائة بصرف النظر عن المتغيرات الخارجية التي تؤثر على اسعار النفط وبالتالي حجم الايرادات النفطية المتحققة مما يؤدي في نهاية المطاف الى ان العجز في الموازنات السنوية يتناسب عكسيا مع هذا الانخفاض فتضطر الحكومة الى الاقتراض الداخلي او الخارجي لتغطية العجز .
ان التمسك بتلابيب السياسة الريعية على النحو الذي سارت عليه الحكومات السابقة وطريقة توزيع الموارد لا يمكن توصيفها الا بالسياسة الاقتصادية الطائشة كما لو كانت الموارد النفطية ملكية خاصة متجاهلة الحق الدستوري للشعب كما نصت المادة 111 من الدستور عبر تحويل تلك الموارد الى اموال سائبة وتوسعها المفرط في الانفاق الاستهلاكي الحكومي في جوانب مظهرية تغيب بشكل صارخ مبدا تحقيق العدالة الاجتماعية وتسبب هدرا في الموارد النفطية وانتاج طبقة بيروقراطية فاسدة ، وطبقة طفيلية انتهازية كنتيجة حاسمة والتحايل على الموازنات السنوية التي تذهب تخصيصاتها الى مشاريع وهمية لا قيمة اقتصادية لها ، بل تذهب في معظمها الى جيوب الفاسدين لتحويلها الى اداة لاحتكار السلطة والنفوذ ، قادت كنتيجة مباشرة الى ظهور 20 من حيتان الفساد يتولون تحويل سرقاتهم الى نوع من انواع الضريبة التي يدفعها المواطن بدون وجه حق وتمركز السلطة بيد هذه الطغمة .
ان تخطي هذا المنهج الحكومي الضار والذي ادى ليس فقط الى تدمير الاقتصاد وانما تغييرات طبقية متفاوتة بشكل واسع في الدخل وتمركز الاموال بيد طغمة مالية تتحكم بمواقع السلطة والنفوذ، يتطلب اتخاذ سياسات جديدة تعيد التوازن في البنية الاقتصادية والاجتماعية واحترام حقوق العراقيين كاملة في البرامج الحكومية واسهاما في تدعيم هذا التوجه. وفي هذا السياق نرى اتخاذ منظومة من الاجراءات منها :
• اتخاذ الاجراءات الضرورية للابتعاد عن الوقوع في فخ الضغوط الانكماشية والابتعاد عن فرض الضرائب والرسوم على المواطنين عند تعرض الاقتصاد الى ازمة انكماشية ومعالجة هذه الظاهرة عن طريق الانفاق الحكومي في حال انخفاض اسعار النفط وفي أوقات الكساد .
• ان التداعيات الاقتصادية التي يمر بها العراق في المرحلة الراهنة التي تزداد حراجة تستدعي انشاء صندوق سيادي خاص بالحفاظ على ايرادات النفط والتحوط للمستقبل يمول بجزء منها وفق نسبة مئوية وتشريع قانون خاص بالصندوق .
• حيث ان الفساد يشكل اخطر الامراض التي تصيب الاقتصاد والمجتمع بالصميم ما يتطلب حمايتهما من الفاسدين الموجودين في جهاز الدولة وخارجها عبر اجراء تغييرات هيكلية في منظومة الحكم والسعي الجاد لتفعيل القوانين الاقتصادية خاصة المتعلقة بالتراكم المالي وتحريك كافة القطاعات الاقتصادية وحماية المنتج المحلي ومنع الاحتكار وتحويل الدولة كمنتج وليس حارسا فقط مع تنشيط القطاع الخاص ومنع تهريب العملة الاجنبية وهروبها عبر اجراءات تحفيزية ملموسة .
من اجل استراتيجية اقتصادية رشيدة
- التفاصيل
- ابراهيم المشهداني
- آعمدة طریق الشعب
- 3864