يعد غسيل الأموال واحدا من أخطر أساليب هدر الثروة على المستويين المحلي والعالمي مما دفع مختلف الحكومات لبذل مزيد من الاهتمام في مكافحة هذه الآفة الخطيرة وتحشيد كافة الجهود لمكافحتها لإبعاد خطرها على الاقتصاد الوطني وضغطها على حياة الناس المعيشية وتداعياتها في خلق فجوات طبقية واسعة في النسيج الاجتماعي.

 وقد أكدت المعطيات المتوفرة عن غسيل الأموال من قبل الفاسدين وبطانتهم  الى جملة من الحقائق التي لا تحتمل التغطية عليها، ومنها على سبيل المثال أن بيانات صندوق النقد الدولي تشير الى وجود فرق حسابي قيمته مائة مليار دولار ما بين عامي 2006 و2016 من خلال عمليات التحويل والاستيراد، وغياب مراقبة عمل مكاتب تحويل العملة والصيرفة الأهلية بعضها وهمي وتؤشر سحب أموال ضخمة من قبل المصارف الأهلية مقابل فواتير مزيفة لبضائع لا تصل الى ربع قيمتها، فضلا عن التربح من فرق العملة بين سعر الشراء وسعر السوق، وتؤكد بعض المصادر أن مجموع المبالغ المباعة منذ عام 2003 ولغاية عام 2018 بلغ  نصف تريليون دينار ذهبت 80 في المائة منها لأغراض الاستيراد أما الباقي فمكرس للبيع النقدي.

وتشير احصاءات وزارة التخطيط الى أنه خلال عام 2009 بلغت قيمة السلع المستوردة 21 مليار دولار وأن قيمة الاعتمادات المستندية لتغطية الاستيرادات بلغت قرابة 45 مليار دولار بفجوة قيمتها 24 مليار دولار.

لقد أسفر تعاظم عمليات غسيل الأموال عن مخرجات متعددة الاشكال، فقد عكست ضعف دور مكتب مكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي في متابعة الفوارق المالية بين قيمة المستورد وتزييف قوائم الاستيراد، وتقدر الجهات الرسمية ضخامة حجم غسيل الأموال في عمليات غير مسبوقة لتهريب العملة، مما أثارت احتجاجات أوربية على المخاطر المالية التي تسببها السياسة الاستيرادية التي تتبعها الحكومة والبنك المركزي، والتي حققت مكاسب للمصارف الأهلية تقدر بمليون دولار اسبوعيا من مزاد العملة، زد على ذلك أن غسيل الأموال بحجمه الكبير قد تسبب في تدهور الاقتصاد العراقي وأزمة مالية أربكت عمل الحكومة وقادت الى تداعيات أخلاقية وفكرية وفوضى أمنية وقصص مثيرة للدهشة في أساليب غسيل الأموال لدى قادة سياسيين وعسكريين في عمليات تهريب العملة، واختلال في التوازن بين الادخار والاستثمار واضطراب أسواق المال والتهرب الضريبي. ويبدو أن صدور قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015 لم يثمر عن فاعلية حقيقية شأن العديد من القوانين الأخرى بسبب تعاظم الفاسدين وخاصة بين القوى السياسية المهيمنة.

إن تعاظم ظاهرة غسيل الأموال وتداعياتها تحتم على الحكومة وكافة أجهزتها المالية والأمنية والرقابية بذل المزيد من الجهود والإرادة الحقيقية الصلبة في اتخاذ منظومة من التدابير نذكر منها ما يلي:

  1. ضرورة قيام وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة النزاهة والادعاء العام وديوان الرقابة المالية والأمن الوطني وجهاز المخابرات والملحقيات الاقتصادية بدور ملموس في مراقبة ومنع غسيل الاموال وكافة وسائله وخاصة نافذة البنك المركزي وحركة النقل داخل العراق وخارجه والتعاملات النقدية بين البنوك من خلال التنسيق المنظم.
  2. قيام الجهات المذكورة بتفعيل قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وقانون من أين لك هذا وتقديم تقارير شهرية بالنتائج المتحققة وعرض الحقائق كاملة بالأشخاص والجهات التي تمارس غسيل الأموال والإجراءات القانونية المتخذة ضد مرتكبيها.
عرض مقالات: