حين تاسست الدولة العراقية في مطلع عشرينيات القرن الماضي، بدأ بعض العراقيين الانخراط في مؤسساتها، عسكريين ورجال شرطة وموظفين بمختلف الاختصاصات. وكانت اجادة القراءة والكتابة مهمة جدا للحصول على منصب وظيفي، علما ان هذه الوظيفة او تلك، بغض النظر عن اهميتها، كانت من نصيب سكان المدن بشكل عام، بينما راح ابناء الريف يتطوعون في القوات المسلحة باصنافها المختلفة.
ولعبت شريحة الموظفين وبالاخص المعلمون، دورا مهما واساسيا في شحذ الهمم ورفع مستوى وعي المواطنين باهمية استقلال الوطن وحريته وكرامته. وكانت هذه الشريحة تتمتع بحياة معيشية مقبولة. لذا فان بعض العوائل، التي ابتعدت قليلا عن العادات العشائرية، كانت ترغب في تزويج بناتها من الموظفين على اعتبار ان دخلهم مضمون نهاية كل شهر، سواء غرقت بغداد بسبب الفيضانات ام تعكر صفوها بسبب الانقلابات! وكان البعض الاخر يفضل زواج بناته من عسكريين، واذا كانوا ضباطا فهذا افضل، لا سيما و”المحروسة” تردد صباح مساء “ لو مُلازم لو مَالازم”!
وبقيت هذه الحالة الاجتماعية بشكل عام حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي! ثم جاءت الحروب العبثية التي قادتها الدكتاتورية الصدامية، والتي لا ناقة للناس فيها ولا جمل، لتحرق الاخضر واليابس، خاصة بعد شمول العراق بالبند السابع من ميثاق الامم المتحدة، وخضوع الشعب لحصار مزدوج، دولي من جهة وحكومي بشع من جهة ثانية! وصار راتب الموظف لا يساوي سوى سعر طبقة بيض! فاين اصحاب الزمن الجميل من ذلك الواقع المر؟ اما العسكري فكان يستجدي اجرة النقل من اجل الالتحاق بوحدته العسكرية! فلا اعرف كيف يترحم البعض، على ذلك النظام وتلك المرحلة السوداء!
ثم جاء الانفراج بسقوط الصنم وصعود مرتبات الموظفين رويدا رويدا، فهرع الناس مجددا للحصول على وظيفة جديدة ، سواء بجدارة شخصية ام ببيع الصوت في الانتخابات او بالرشاوي، بعد ان اصبحت المناصب تباع وتشترى!
وصار عدد الموظفين في العراق المنهوب يشكل اعلى نسبة في العالم قياسا بعدد نفوسه! وطار الحلم براتب مستقر في ظل شلة كبيرة من السراق والفاسدين، وزاد الحال مرارة انخفاض اسعار النفط والاجتياح الوبائي لجائحة كورونا!
وعاد الموظف الى المربع الاول! فالراتب غير مضمون، ولا اعرف والحال كذلك ماذا ينتظر هذا الموظف ليثور على من سرق لقمة عائلته!
عجبي مثل عجب ابي ذر الغفاري الذي قال: اعجب لامرئ لا يجد لقمة عيشه، ثم لا يخرج للناس شاهرا سيفه!

عرض مقالات: