ونحن نستذكر الانتفاضة علينا أن نستذكر الشاعر علي نجم اللامي، أحد شهدائها، وهو يرسم الصرخة التي أخذت تتردد في الساحات، والتي أضحت شعاراً لكل متظاهر يطالب بحقه في العيش الكريم على أرضٍ دافع عنها هو وأخوته وآباؤه وأجداده، يوم أطبق الظلام على سمائها وهجمت خفافيشه تريد امتصاص دمها، في مجموعته الصادرة حديثا عن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق !
نزل وبين شفتيه صرخة كانت مكتومة ،والبركان قد انفجر وأخذ يقذف بحممه على رؤوس الفساد وسارقي أعمار الشباب ومَنْ ذاقوا مرارة الحرمان واليتم والقهر والجوع!
إنهم يريدون وطناً. يعني حضناً دافئا، وقلباً طيبا ، وروحاً سامية خلّاقة، وشموخاً ، وإنسانية، وحنانا ، وراحة، وعيشاً رغيدا، وسكناً لائقا، وفرص عمل، وأمناً وأماناً. أحلامهم لم تتعدّ الأرض التي ولدوا عليها، وسمعوا عنها الحكايات الكثيرة من جدّاتهم وأمهاتهم. وحينما فتحوا عيونهم وعرفوا أن هذا الحلم سراب انتفضوا صارخين: نريد وطناً !
كم هي مؤلمة حقاً هذه الصرخة، حين تسمعها من فم شابٍ او فتاةٍ لم يبلغا الحلم بعد؟!
لم يبصروا شيئا من الوطن الذي سمعوا وقرأوا عنه، فأحسّوا بضياعهم، وضياع كل شيء جميل في حياتهم. واجهوا الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيّل للدموع بصدور عارية، مرددين قول الشاعر محمود درويش : مَنْ ليس له وطن ، ليس له كفن !
لأجل أن يمسكوا بحبل نجاة قبل أن تغرق السفينة نهائيا خرجوا للساحات يطلبون وطناً.. وطناً يليق بهم ويليقون به، وطناً يحنو عليهم ويضمهم بين جناحيه قبل أن يتشردوا لاجئين في بقاع الأرض !
الآن وبعد مرور عام كامل على هذه الانتفاضة، علينا أن نستذكر شهداءها وجرحاها ، والثمار التي قُطِفت منها ، رغم أنها ليست بالمستوى المطلوب ، لكنها أثبتت أن الصوت الهادر بالحقّ يخترق كل حاجز وستار ويزلزل العروش !
علينا أن نستذكر أول صرخة مدوّية في البصرة، حيث تظاهرات الماء والكهرباء والخدمات وفرص العمل ، التي انطلقت بواكيرها عام 2011 مرورا بعام 2015 و2018 وصولا إلى 2019، وكم شهيد سقط مضمّخاً بدمه من اجل ذلك. البصرة كانت رأس النفيضة دائماً بانتفاضاتها ضد الفساد والفاسدين، لأنها البعير الذي يحمل ذهباً ويأكل عاقولا!
ولنقل أن المسؤولية الكبرى تقع على مَنْ يقود البلاد والسلطة العليا أولاً، ومشايخ القوم وعليّتهم ثانياً، وكل ذي عقلٍ حليم ثالثاً. عليهم أن يعوا المسؤولية وأن لا تذهب دماء الشباب سدىً، ويأخذوا بتصحيح كل ما أودى بالبلاد إلى الخراب، كي يشعروهم أن ثمّة وطناً يقيمون فيه، بعيداً عن الحرمان والقهر والمطاردات وسفك الدماء البريئة.
علينا أن نعيد لهم الإحساس بوطنٍ حرٍ يعيشون على أرضه بسلام وسعادة وهناء!
ليس مجرد كلام.. خلف الضجيج وطن / عبد السادة البصري
- التفاصيل
- oscar
- آعمدة طریق الشعب
- 3317