لعل آخر محاولة رسمية لاعلان ٣ تشرين الأول يوما وطنيا للعراق، سبقت طرح الفكرة مجددا هذه الأيام ، هي التي قام بها الرئيس فؤاد معصوم في بيان رئاسي تلاه بنفسه يوم ٣ تشرين الأول ٢٠١٤. ووقتها لم يكترث للامر أحد واهمل المقترح، وشاعت نكتة باسم (تقويم فؤاد معصوم).
وكان قد سبق للمالكي ايضا ان طرح مشروع قرار يعلن اليوم نفسه يوما وطنيا عراقيا، ورغم معارضة البعض له تم تمريره بالاكثرية في مجلس الوزراء يوم ٧ آيار ٢٠٠٧، لكن المواطنين لم يهتموا به ومثلهم وقف الإعلام، ما دفع المالكي الى إعادة طرحه والتصويت عليه في إجتماع مجلس الوزراء يوم ٦ شباط ٢٠٠٨. ورغم أصداره إثر ذلك بيانا بشّر فيه العراقيين بتمكن مجلس الوزراء من تسمية يوم وطني للعراق، وقال (إن التأريخ يعتبر مناسبا وملائما يحتفى به سنويا، يوما وطنيا للعراق)، رغم ذلك لم يتمكن الجهد الحكومي وإعلامه من تسويق ذلك (العيد الوطني).
وكان طريفا ما جاء في التقرير الصحفي للأستاذ عبد الجبار العتابي، الذي نشره وقتها في موقع إيلاف، وتضمن إستطلاعا لآراء ٤٠٠ مواطن عراقي متنوعي الأعمار والمستويات ة والأعمال والإهتمامات، حول معرفتهم بيوم ٣ تشرين الاول كيوم وطني للعراق، فلم يجد بينهم من كان على دراية، بل أنهم فوجئوا بما سمعوه وتلخصت إجاباتهم بعدم المعرفة والإندهاش والإستغراب من المعلومة.
ومع ذلك كله اعادت الجهات الحكومية هذه الايام طرح هذا التاريخ، حيث أصدر الدكتور حسن ناظم وزير الثقافة والسياحة يوم ٦ أيلول ٢٠٢٠، بيانا تبنى فيه مشروع اعتبار يوم ٣ تشرين الأول ١٩٣٢ يوما وطنيا للعراق، وهو ما أقر لاحقا كمشروع قانون من قبل مجلس الوزراء، في اجتماعه يوم أول أيلول ٢٠٢٠.
ولا يتسع المجال هنا للتطرق الى أهمية اليوم الوطني، وعرض تجارب البلدان في تسمية أيامها الوطنية، إذ يتم الاتفاق في الغالب على تحديد اليوم كتاريخ للاستقلال. وهنا تكمن الإشكالية عندنا، حيث ينقسم الرأي حول يوم ٣ تشرين الثاني ١٩٣٢، بين من يعتبره يوما أرّخ لإنتهاء الإنتداب البريطاني على العراق وقبوله عضوا تحت الرقم ٥٧ في عصبة الأمم. ومن يعده يوم ترسيخ للإحتلال بعد ان وقع العراق معاهدات إسترقاقية، إتاحت للمستعمر البريطاني ما لم تتحه له فترة الانتداب. وهكذا تنقسم الذاكرة التاريخية للعراق، فيما تجهل الذاكرة الشعبية اليوم هذا التاريخ. ولا نبتعد عن الموضوع ان تحدثنا هنا عن الامية الى جانب المشاريع الطائفية وتغييب الوعي الوطني. فالمواطن البسيط له حق أساسي بالمشاركة في تحديد مصير ومستقبل بلده، واختيار اليوم الوطني يقع ضمن ذلك، وهو ممكن فقط حينما تتوفر له معرفة وإطلاع مناسبان على التاريخ العراقي المعاصر. كما تبرز خلال الحقبة الحالية إشكالية الهوية الوطنية للعراق، وموضوعة الإسهام في إختيار يوم وطني لتشكيل هوية جامعة للشعب العراقي.
لقد سبق للحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية ان غيرت اليوم الوطني ثلاث مرات، وهذه هي المرة الرابعة. ومن هنا ضرورة المشاركة الوطنية الواسعة كي تتبلور رؤية تنال نوعا من الإجماع الوطني. وهذا عصيّ الآن نظرا الى الازمة البنيوية المتفاقمة، والاضطراب السياسي الذي يمر به العراق، والصراع الاجتماع الحاد، والوضع المعيشي المتفجر.
من جهة أخرى تبدو حماسة الحكومة المؤقتة لحسم هذا الموضوع غريبة، فكما هو معروف لم يرد الامر في منهاجها ولا حسمه من واجباتها، ولا يوجد مطلب فرعي واحد رفع في ساحات الاحتجاج طالب بذلك. فما غرض الحكومة ومقصدها من طرحه، سوى صرف الانتباه عن القضايا الاساسية، والتهرب من واجباتها والتملص من الاستحقاقات، والالتفاف على أولويات غير قابلة للتأجيل؟