المتنفذون المتضايقون يسعون باستمرار الى فك “الحصار“ الذي يطوقهم، والهروب الى الامام لتجنب ملاقاة استحقاقات ملحة، ويعملون على خلط الأوراق والتشويش على مطالب الحركة الاحتجاجية والمنتفضين وغالبية الناس.
وحرفا للانتباه عن الأولويات، يلجأون الى اثارة قضايا تبدو في ظاهرها مطالب وطنية وانحيازا الى المواطنين وتبنيا لقضاياهم ، بينما المراد منها واقعا هو التلاعب بالمشاعر واثارة الغرائز الفطرية والمخاوف ، وتقديم المتنفذين بصورة حماة مصالح الطائفة او القومية او المكون، او حتى الوطن بأكمله.
من ذلك مثلا الحديث اليوم عن هيبة الدولة وضرورة تحقيق الامن والاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية وعدم جر البلاد او مناطق معينة منها الى حروب أهلية، وغير ذلك مما يحرص عليه المواطنون المخلصون والوطنيون الحقيقيون، بعكس ما يقوم به الساسة المتنفذون في الواقع.
ويعرف المواطن الواعي جيدا من اضعف الدولة وبهدلها، ومن الذي يتمرد عليها، او يضع نفسه بموازاتها، ويمتشق السلاح خلافا للقانون. إضافة الى ذلك، وخاصة بعد ان عرَّت انتفاضة تشرين حقيقة المواقف، بات جليا من المسؤول عن قتل المحتجين والمنتفضين، وجر البلاد الى حافة الهاوية واغراقها بالدم والأزمات.
هل يمكن لنا ان ننسى مثلا المسؤولين عن تمدد داعش وتسهيل مهمته وما ارتكبه من مجازر ومآسي، لحسابات سياسية ضيقة وانانية؟ كذلك المسؤولين عن تمكين الدولة العميقة ومنظومة المحاصصة والفساد، التي استنزفت طاقات البلاد وقدرات القوات المسلحة على الدفاع عن الوطن وصيانة مصالحه؟!
ويحلو للبعض ايضا في هذه الأيام، التباكي على معاناة أبناء الشعب في محافظات جنوب الوطن، وهي المعاناة التي تعم ارجاء البلاد ولا يجهلها احد، ويكفي الرجوع الى الارقام عن نسب الفقر، وما تقدم من دليل قاطع على سوء الاحوال. فهو اذن كلام حق يراد به باطل، والدليل هو السؤال ذو المغزى الذي يطرح نفسه هنا: من الذي كان وبقي متنفذا في هذا البلد منذ ٢٠٠٥، ومن الذي تحكم بما خصص من أموال ، فسرق ونهب من خيراتها؟!
تبيّن التجربة ان المتنفذين الفاسدين سيلجاون الى كل وسيلة، بما فيها الاخس، للدفاع عن مصالحهم وسلطتهم ونفوذهم، ولفك الطوق الذي يضيق حول خناقهم. وسيقومون بالافتراء والكذب والتدليس وفبركة المؤامرات، وكيل الاتهامات بالعمالة الى هذه الدولة او تلك، واختلاق الصدامات والعداوات والفتن وتاجيج المشاعر الطائفية، وسيفعّلون جيوشهم الالكترونية ومأجوريهم المعروفين، لتشويه مواقف المنتفضين والحركة الاحتجاجية وحقيقة القوى الوطنية المعروفة بانحيازها الحقيقي للناس ودفاعها عن مصالحهم .
وفيما يتوجب ادراك هذا جيدا، يتوجب على الكتل والأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية الحقة تفادي الوقوع في فخ تلك الدسائس والافتراءات، والترفع على حسابات الربح والخسارة المؤقتة الرخيصة، والرد عليها برص الصفوف وتفعيل كل أدوات النضال السلمي والدستوري، لقطع الطريق على المتنفذين الفاسدين ومنعهم من تسويق انفسهم مجددا، خصوصا ونحن على ابواب الانتخابات في السنة المقبلة.
ان تعرية هؤلاء وكشف ملفات فسادهم وجرائمهم بحق الوطن والشعب واسقاطهم قضائيا وسياسيا، اصبح واجبا وطنيا لمن يتطلع بصدق وإخلاص الى التغيير الشامل، والى كنس منظومة المحاصصة والفساد، التي ان استمرت فستأتي على ما تبقى .. وهو قليل ومتضائل!

عرض مقالات: