أقدم الشباب المحتجون صبيحة ٢٢ آب ٢٠٢٠، على تجريف مقرات الأحزاب في مدينة الناصرية، بعد أن أحرقوها في وقت سابق.
في هذه المدينة تتصاعد مستويات الفقر والباطلة وسوء المعيشة، كما في بقية محافظات العراق، في وقت ازداد فيه ثراء مسؤوليها الفاحش بفضل الفساد واستغلال مواقع السلطة والتقصير في تقديم الخدمات، وهنا مكمن الغضب الذي انفجر بعد يومين من تصريحات نوري المالكي الذي عدّ المحافظة خارج سيطرة الدولة، وكرد فعل على تفجيرعبوة في دراجة بخارية بساحة الحبوبي مساء يوم الجمعة ٢١آب ٢٠٢٠، أدى الى جرح عدد من المتظاهرين، واتهمت مليشيات الأحزاب بالوقوف خلف التفجير.
وبدلا من ان تفسر طغمة الحكم هذا الحدث وتداعياته تفسيرا علميا يبحث في الأسباب التي دفعت الشباب الى التصعيد بهذا الأسلوب، كررت ما تعودنا عليها من خطابات ممجوجة، وكيل للكلام المداهن عن هيبة الدولة. نعم، لم يعبأ المتنفذون بكلام العقلاء الذين حذروا من ضعف الدولة حين ينخرها الفساد، فما من دولة تُهاب عندما يفسد نظامها ويتحكم فيها الفاسدون. ثم أن هيبة الدولة من هيبة مواطنيها، وقوتها تكمن في قدرتها على حمايتهم، فيما يرتبط استقرار النظام بمدى تمتع مواطنيه بالحريات وتنعمهم بالحقوق واستظلالهم بالعدالة.
إن نزع فتيل التوتر يبدأ بالكف عن الإعتداء على ساحات الإحتجاج، عن حرق الخيم، والقيام بالتفجيرات، ومحاولات الإختراق، وملاحقة الناشطين وإغتيالهم، والإستهانة بأمن ومشاعر المحتجين وإستفزازهم. انها إعتداءات تمس الكرامة، والنيل من كرامة الناس يحولهم إلى قنابل موقوتة مرشحة للانفجار في أي وقت. وان شواهد تاريخنا القديم والمعاصر مليئة بالعبر والدروس. وجميعنا يعلم ان ثمة تململاً في مجتمعنا الذي فاض به الكيل، وقد يعبر عن نفسه بأشكال لم تكن مألوفة من قبل.
اما الكلمة التي نحرص على ايصالها لشبان الانتفاضة، فهي التذكير بواحد من أكثر شعارات الانتفاضة دلالة، وأعني شعار: الوعي قائد. فالوعي بالهدف الصحيح يقودنا الى إختيار الطريق الصحيح، وعليه فالرغبة في إزاحة أحزاب الفساد لا تتمثل في هدم مقراتها، بل في تفنيد سياساتها وفضح فاسديها. وان التنظيم والوعي بضرورة التنظيم هما الكفيلان بتعرية الجهات المتسببة في تردي الأوضاع.
كما ان تعميم الرفض للحزبية والاحزاب امر خاطئ، يؤدي الى العدمية واللا جدوى. فرفض الأحزاب يعني ضمنا رفض الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتنظيم، وهذه امور كفلها الدستور وتشكل أساس البناء الديمقراطي. ثم ان رفض العمل الحزبي يناقض وعي جماهير الحركة الاحتجاجية، التي اكدت في فترة سابقة ضرورة تشريع قانون الأحزاب ونجحت في فرض تشريعه على مجلس النواب، رغم العراقيل التي تواجه تنفيذه حتى الان. ولسنا بحاجة الى القول ان حركة الاحتجاج هي حركة تغيير نحو ديمقراطية حقيقية، هي ثورة على انحراف العملية السياسة، ومحاولة جادة لإعادة بنائها على وفق مبدأ المواطنة، بعد ان فشلت المحاصصة الطائفية كوحدة بناء.

عرض مقالات: