في كلِّ مرّةٍ أجدُ نفسي ساهماً أدور في دوّامة أفكار، الغريب فيها أنني أقف مندهشاً وحائراً أمام تصرّفات البعض منّا، لا بل كُلّنا، حيث تجد نفسك بين جبلين من الأفكار والمقترحات والآراء والأفعال والأقوال لا يلتقيان أبداً رغم كلّ شيء. وهذا ما يحدث دائما في كل نقاش، لأن كلّ واحد منّا يعتبر نفسه الأكثر صواباً، وعلى الآخر أن ينصاع إليه بكل ما يرنو إليه. فأكثر الآراء تتعصّب لنفسها ، وتعتبر الآخرين على خطأ، وقد تصل الأمور إلى التكفير والتحريض على القتل!
في الأسبوع الماضي أعيد دوامنا بنسبة 25 في المائة، وكان علينا أن نفكّر بآلية توزيع العمل، بالإضافة إلى وسائط النقل وما إليها، تماشيا وقائيا ضد جائحة كورونا. لكن الذي حصل هو عودة الاختلافات والمشاكل ونظرية المؤامرة، وكلٌّ يريد تنفيذ رأيه ومبتغاه، وانه على حق والآخرين على باطل!
إذا كنّا مجموعة صغيرة من الموظفين وتعصف بنا هذه المشاكل والاختلافات والتجاذبات والأنانية المفرطة وما شابهها ، فكيف سنتخلص من عقدة الأنا التي دمّرت كل شيء ، وأحرقت الأخضر واليابس في هذه البلاد، وأعادتها إلى ما قبل القرون الوسطى في كل شيء، فلا زراعة ولا صناعة ولا تجارة، بجانب سوء في الخدمات وتدهور في التربية والتعليم، وانتشار للجهل بشكل كبير. والدليل ما حدث ويحدث الآن من تفشّي الوباء القاتل بشكل خطير، بعد أن تأملنا ضعفه وانحساره، حتى أصبحنا نعيش القلق والخوف الكبيرين ونحن نشاهده يحصد الأرواح تلو الأرواح ، دون أدنى بارقة أمل !
منذ ظهوره أول مرّة بشكل محدود جدا هنا وهناك ، لم يوله المتسيدون على رقاب ومصائر الناس اهتماما ، بل ظلوا في صراعاتهم على المناصب والمكاسب والمغانم يزدادون ضراوة وبشاعة ، وكأن ما جلبوه من خراب للمؤسسات الصحية ومن نقص في المستلزمات العلاجية والوقائية ومن هدر في الأموال، بل سرقتها (عينك عينك)، وبدلاً من استيراد مستلزمات طبية وعلاجية حديثة وذات تكنولوجيا متطورة ، استوردوا (نعل) بملايين الدولارات!
يا لبؤس من تنصّبوا على كراسي المحاصصة المقيتة ، التي نعاني اليوم بشكل كبير من عواقبها، وبضمنها هذه الحرية للوباء في قتلنا ، وبضمنها ايضا موجات التجهيل التي تزداد يوما بعد آخر !
ما هذا الذي نعانيه من عُقَدٍ نفسية، ونحن نعيش في قرن التكنولوجيا والتقنيات الأكثر حداثة ؟!
بل ما الذي جنيناه من هذه العُقَد المريضة التي دمرّت وخرّبت الزرع والضرع وكل شيء، حتى بات مستقبلنا مجهولا ومخيفا، بسبب حاضرنا الأكثر جهلا وخرابا!