وباء كورونا رغم خطورته، وسرعة انتشاره، والماَسي التي سببها للبشرية جمعاء، بدأ بالتراجع تدريجياً، وكل الدلائل تشير الى إمكانية إيجاد علاج له قريباً، ينهي دورته، ويجعل أثره يتلاشى بمرور الوقت، كما هو الحال مع كل الأوبئة والجوائح المفاجئة منها والمتوقعة في العصر الحديث.
بيد أن في العراق وباءً أشد فتكاً، وضحاياه الشعب العراقي بأغلبيته الساحقة ولا أمل في الخلاص منه في القريب العاجل، أو إيجاد لقاح يقضي عليه، وينقذ الناس من شروره، هو وباء المحاصصة الطائفية والأثنية، بل هو لعنة أصابت شعبنا المبتلى بحكام أقل ما يقال فيهم، أنهم في عداء أزلي مع الكفاءة والنزاهة والضمير الحي، ولم يقدموا له غير الخراب والدمار والفشل الذريع في كل ما وقع تحت رحمتهم وفي متناول أيديهم.
وفي سباقهم المحموم على السلطة، ذلك الكنز الذي عثر عليه "علي بابا الأمريكي – بول بريمر" وسلمهم إياه بعد سقوط الصنم مباشرة لغاية لا تخفى على اللبيب، وهم منذ ذلك الحين والى الان ومستقبلا لا يملون من ركوب خيول الكذب والدجل والنفاق السياسي، ولا نية لهم في الترجل عنها، وقد برعوا فيها وادمنوا، ولم يستطيعوا فكاكاً منها.
الأمثلة كثيرة لا عدّ لها، واَخرها ما وعدوا به الكاظمي، الذي إرتضوا به على مضض باعتباره أهون الشريّن من وجهة نظرهم بالمقارنة مع الزرفي، فقد وعدوه كما وعدوا غيره، بأنهم سيتركون له حرية الاختيار في تشكيل كابينته الوزارية ولن يتدخلوا في قائمة الأسماء التي سيقدمها الى مجلس النواب، مؤكدين بحماس المنافقين انهم يريدون أيضاً حكومة قوية، نزيهة ومستقلة، تستطيع إخراج البلاد من الأزمات الخانقة والمتلاحقة، وتضع حداً للمحاصصة والطائفية السياسية!
لكن ما يصرحون به علناً وفي وسائل الاعلام، يقابله نشاط عاصف يقومون به في الغرف المظلمة وخارجها، مقرونا بتهديدات صريحة أو مبطنة بأنه لن يمر، وسوف لن يحظى حتى بجلسة تصويت في مجلس النواب، إذا لم يضمن لهم حصصهم في التشكيلة الوزارية والدرجات الخاصة. مبررين ذلك بعناوين مختلفة، لكنها في المطاف الأخير لا تعني غير المحاصصة المقيتة، من قبيل، حقوق المكونات/ التوازن/ الاستحقاق الانتخابي/ الشراكة وليس المشاركة..الخ من الترهات والتلاعب بالألفاظ التي ما عادت تثير في المواطن العراقي سوى الغثيان.
إن هذا المرض الخطير المتفشي في الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بمكوناتها الفرعية الثلاثة، لا شفاء منه ولا خلاص من كوارثه وجرائمه إلا في حالة واحدة لا بديل عنها، هي الاستمرار في الضغط الشعبي وتجديد الانتفاضة البطولية، شريطة إستكمال مشروعها الوطني الديمقراطي في الحفاظ على سلميتها وتشذيب البعض من شعاراتها، وتلافي النقص الكبير المتمثل بغياب قيادة موحدة لها، وبرنامج عملي وأهداف محددة، وعدم الركون إلى الوهم بامكانية إستجابة القوى والكتل المتنفذة من تلقاء ذاتها، بمجرد تحديد المعايير والثوابت الوطنية والمدنية من قبل المنتفضين. فهذا الأمر كمن يحرث في بحر، وقد جُربت هذه القوى عشرات المرات، فكان الحصاد مُراً وبطعم العلقم، ولم يجن الشعب منه غير القتل العمد المباشر من "قوات مكافحة الشعب" أو ما يسمى بالطرف الثالث، وغير الأغتيالات وإختطاف النشطاء والاعتقالات العشوائية، فضلاً عن المماطلة والتسويف، والسعي بدناءة لتشويه سمعة الأنتفاضة والمنتفضين وفي تجاهل واستخفاف واستهتار قل نظيرها في عالم اليوم بالمطالب المشروعة، والحقوق المسلوبة من قبل زمرة لا تنتمي إلى البشر إلا بالأسم فقط.

عرض مقالات: