يُحكى أن أميراً تقدّم لخطبة فتاة، فوافق والدها لكن بشرط أن يكون مهرها قيام الأمير بالتسول لمدة شهر في شوارع المدينة!
اندهش الأمير من الشرط هذا، وانزعج، ورفض. لكنه في آخر المطاف انصاع للأمر وطلب من والد الفتاة أن يقلل المدة إلا إن الأب أصرّ على أن تكون شهراً كاملاً.
في اليوم الأول لبس الأمير ملابس رثّة وغطّى وجهه بنقاب كي لا يعرفه الناس ثم دار على البيوت يتسول منها ..سمع الأب بأنه غطى وجهه فرفض وقال: من أولوية الشرط أن يكون وجهك سافراً للجميع، أسفر عن وجهه للناس وأخذ يدور على البيوت خجلا في بادئ الأمر ،،أنهى اليوم الأول بشق النفس ، وجاء اليوم الثاني فكان أخف وطأة عليه ،، وهكذا يوماً بعد يوم ذهب الحياء عنه ، فصار يدور هنا وهناك غير عابئ بكلام الناس وعباراتهم الجارحة..اكتمل الشهر ولم يأتِ لبيت الفتاة التي خطبها ،،ومر شهران ولم يأتِ،، بعث والد الفتاة وراءه ليستفسر منه حول مسألة الخطوبة فأجابه: لا حاجة لي بابنتك ، وجدت وسيلة تدرّ علي الربح والمال دون أدنى تعب ووجع رأس وألم قلب،، لا أريد ابنتك بعد الآن !
استذكرت هذه الحكاية لا انتقاصاً من المتسولين أو استهانة بهم أبداً ،، ولكن للتأكيد على إن الحياء إذا ذهب عن وجه الإنسان وقلّ نبضه في الضمير والعقل، فانه لن يتورّع عن فعل شيء مهما كانت مرتبته واسمه ومعتقده ،، لأن الحياء وكما يقول آباؤنا (قطرة) إذا سقطت ذهب كل شيء معها. وهذا ما نجده اليوم عند البعض ممن صعد بين ليلة وضحاها على كراسي المسؤولية وإدارة شؤون البلاد، حيث تركوا كل شيء والتفتوا إلى الفساد والخداع وعدم التورع عن فعل أي شيء رغم ما قيل ويقال عنهم. ومع إنهم يعرفون جيدا أن البلاد غرقت في الخراب والناس في هيجان من شدة الفساد الذي نخر كل مفصل من مفاصل الدولة، حتى غصنا تحت وابل أزمة مالية تهدد الاقتصاد المحلي وحياة الناس، إلا إنهم متشبثون بالكراسي ومتمسكون بها مهما صار وحدث من خراب وضياع بلد ونزيف دم. وهاهم يشيحون بوجوههم عن مطالب الناس المنتفضة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وكأن ما يجري في البلاد لا يعنيهم أبداً رغم كلّ شيء !
أيعقل أن يكون هناك مسؤول ما لا يعبأ بما يحدث في بلده ؟! أم أن الكرسي يعمي البصيرة ويسدّ الآذان عن السمع ؟!
أتمنى أن لا تكون هذه الكراسي التي ستنخرها الأرضة في آخر المطاف هي التي جعلت البعض يسدّ أذنيه عن صيحات الآخرين ومطا لبهم بإنقاذ البلاد والعباد من الضياع، فيكونون مثل الأمير الذي ضيّع كل شيء بعدما ضاع الحياء من وجهه وضميره!