خلال الفترة الماضية، لم يبق عراقي حريص على شعبه ووطنه، الا وحذر من خطورة تحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وخاصة بين المشروعين الأمريكي والإيراني، للثمن الباهظ، الذي سيدفعه شعبنا العراقي جراء هذه الصراعات والحروب، التي لا ناقة للعراقيين فيها، ولا حتى حمار!
وقد بُحت أصوات السياسيين المخلصين والنخب الثقافية والأكاديمية والمرجعية والمتظاهرين بضرورة النأي بالعراق وابعاده عن ان يكون ساحة حرب، سواء كانت مباشرة او بالوكالة، وان يلعب دوراً في التهدئة، وتخفيف حدة التوتر بين الأطراف المتصارعة على ارضه، او في الأقل الوقوف على الحياد، وان لم يستطع القيام بمثل هذا الدور الإيجابي، ولكن اسمعت لو ناديت حياً، فالقوى المتنفذة والفاسدة، لم تكتف بتخريب البلد وتدميره، وانما لجأت الى الاستقواء بالاجنبي، والانحياز الى مواقفه، بصرف النظر ان كان محقا فيها او معتديا ليكون لها سندا وداعما في البقاء على رأس السلطة وديمومة حكمها الفاشل.
احد الدوافع الرئيسة التي فجرت الانتفاضة البطولية في الأول من أكتوبر وقدمت من اجله هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى، كان رغبة المنتفضين وسعيهم الى منع تحول أراضي بلدهم الى ساحة صراع بين حلفاء العراق الطامعين فيه ومعرفتهم الجيدة بأدوات اللعبة الإقليمية والقوى المحركة لها، وأهدافها الخفية والعلنية، كذلك سكوت الحكومة العراقية على الانتهاكات الفظة واليومية للسيادة الوطنية، عدا التصريحات المكررة بأهمية النأي بالنفس وتحولها لاحقا الى ساعي بريد، لا مهمة له سوى نقل الرسائل بين الطرفين، في وقت كان التصعيد وما تبعه من مناوشات مستمراً طيلة الأشهر الماضية، الى ان وجدنا انفسنا في هذا الوضع الكارثي، الخطير جدا، والذي سيجعل العراق مجددا ساحة لتصفية حسابات المتصارعين بعيداً عن اراضيهما، ومن العراقيين وقوداً لحرب قد تندلع بين لحظة وأخرى.
ان الافتقار الى مشروع وطني ديمقراطي، يلبي مصالح العراقيين على اختلاف اطيافهم السياسية وفئاتهم الاجتماعية، ويحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم في الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية، سيؤدي لا محالة، وكما هو حالنا اليوم، الى جعل العراق مباءة لكل طامع فيه، وستركل السيادة الوطنية بأقدام اللاعبين الأساسيين منهم والفرعيين، وسيبقى التدخل في شؤونه الداخلية لكل من هب ودب، سيفاً مسلطاً على رقاب أبنائه.
ان الحل لا يكمن في الإهابات والتوسلات بهذا الطرف او ذاك، وانما بإصلاح العملية السياسية وتغييرها جذرياً، كما يطالب ابطال الانتفاضة، والخطوة هي تشكيل حكومة تعي خطورة المرحلة، وتعمل بصدق وإخلاص، وبمهنية ووطنية لا تشوبها شائبة لانتشال العراق من المحنة التي ادخلته فيها شلة من بائعي الضمير والأخلاق في سوق النخاسة الدولية والإقليمية.
كما ان الحديث الفارغ عن النأي بالنفس وابعاد العراق عن هذه الصراعات العبثية بالنسبة الى الشعب العراقي، والتي صدعت رؤوسنا بها، الحكومة الفاشلة، بل الأكثر فشلا من غيرها، لا يمكن ان يتحقق ولو بعضا منه، الا إذا استطعنا ترتيب بيتنا الداخلي واعلاء راية الوحدة الوطنية الرافعة الأساسية لتقدم المجتمع وازدهاره وبناء الدولة العصرية.

عرض مقالات: