في مثل هذه الأيام وفي العام الماضي تحديداً، أقام ملتقى جيكور الثقافي وبالتعاون مع منظمة النهضة الثقافية في البصرة جلسة احتفائية للشاعر إبراهيم الخياط، شارك فيها العديد من أصدقائه ومحبيه، وكان تقديمها مناطاً بي!.
في الجلسة تحدّث أبو حيدر عن مشاركاته في التظاهرات وكتابته أغلب الأهازيج التي كانت تردد في ساحة التحرير، ومنها أهزوجة (باطل) التي صارت أيقونة رددها ويرددها جميع المتظاهرين منذ عام 2011 وحتى أبطال ثورة تشرين التي نعيش أيامها الرائعة!.
خلال حديثه استذكر حالة كانت تنتابه دائما وهو يمشي من ساحة الأندلس إلى ساحة التحرير قائلاً: كنت وأنا أمشي ذاهبا من ساحة الأندلس إلى ساحة التحرير، أو عائدا إلى الاتحاد أردد أغنية بيني وبين نفسي هي بعض كلمات أرتجلها تلحيناً ــ وهنا غنى إبراهيم بصوته:
(
الأميراتُ جميلاتٌ.. لكنّ عيني .. لم ترَ أجملَ منكِ .. ساحة التحرير!)
ظلّ يعيدها، ليرددها معه الحاضرون مع التصفيق!
استذكرتُ تلك اللحظات التي مرّت عليها سنة، بعدما أفجعنا رحيل أبي حيدر عن عالمنا لأخاطب نفسي:
ــ ماذا سيقول وسيكتب إبراهيم لو كان حيّاً الآن ؟! وماذا سيغنّي لو كان يعيش هذه اللحظات المشحونة بالعنفوان والكبرياء والوطنية والشهادة والإصرار على النصر رغم تعنّت السلطات الفاسدة ؟!
ولأن هذه الأيام تذكّرنا أيضاً برحيل فنان الشعب فؤاد سالم، الذي حمل الوطن أيقونة عشقٍ هارباً من بطش جلاوزة النظام الفاشي المقبور، ليرحل طيراً محلّقا على ربوع الأرض هنا وهناك يردد: (يا طير الرايح لبلادي، اخذ عيوني تشوف بلادي)، وما كتبه زهير الدجيلي في منفاه: (بيت العراقيين هو بيتنه، مهما بعدنه سنين يبقى بيتنه)، إضافة إلى الأغنيات الأخرى التي استذكر فيها فؤاد شهداء الحزب الشيوعي الأبطال أمثال (سلام عادل والحيدري، وغيرهم)!
أقول: ماذا لو كان فؤاد حيّاً الآن، ماذا سينشد للأحرار وهم يعيدون بهاء الروح الثورية والوطنية الحقّة للنفوس ؟!
بل ماذا سيكتب إبراهيم الخياط، رشدي العامل، فالح الطائي، زهير الدجيلي، فوزي السعد، علي اللامي، وغيرهم من الشعراء الذين حملوا راية الحرية عنواناً لحياتهم ؟!
ساحة التحرير اليوم تفتقد مَنْ هزج بين فضاءاتها بصوته المليء حياةً ومحبةً: باطل .. وغيرها من الاهزوجات التي ظلّ صداها يرنّ في كل الساحات!
ولكي نعيد الحياة لهم وان كانت استذكاراً علينا أن نقوم بتلحين كل ما كتبوه، وتحديداً ما كتبه شهيد الثقافة العراقية إبراهيم الخياط وشهيد ساحة التحرير علي اللامي، ونغنّيه في الساحات والشوارع والقاعات!.
لتكون أغنياتنا مشحونة بما تجيش به نفوس أبطال التحرير والمطعم التركي والسنك والحبوبي والبحرية والصدرين والساعة والتربية والجسر، وفي كل بقعة من وطننا الغالي، ولنرسم فيها صور الكواكب التي تلألأت في سماوات العراق قناديل شهادة تطرّز الطريق بالمحبة والعنفوان!
الساحات تفتقدكم أيها المبدعون، ولكن، لا عليكم لا عليكم، هناك مَنْ سيحمل المشعل ويدور به في كل مكان، لأن الكلمة لن تموت ما دام هناك توقٌ للحرية في النفوس!