الاسعار العالية للأدوية ربما لم تشكل العبء الوحيد الذي تقاسي منه العائلة العراقية ولكنه الاكثر كلفة واستنزافا لمداخيلهم وخصوصا بعد تلوث البيئة وانتشار الامراض وخاصة المستعصية منها التي انتشرت بين العوائل الفقيرة التي تفتقر الى دخل مضمون او حتى اصحاب الدخول الواطئة وهم يشكلون أكثر من نصف المجتمع.
وما يؤدي الى مفاقمة الاسعار في السوق تردي خدمات المؤسسات الصحية وضعف قدرتها على استيعاب المواطنين ولاسيما الفقراء الذين تزيد نسبتهم عن 35 في المائة من عدد السكان. ولعل ما يحولها الى اشكالية رغم انها من صلب واجبات الدولة هو تحول مفهوم الخدمة في معايير حكوماتنا الى سلعة وهذه الخدمة او السلعة رغم ندرتها الا انها رديئة اما لعدم توفر الادوية او غياب الاجهزة او عطلها الدائم والتذرع بعدم القدرة على تحمل تكاليف إصلاحها مما يضطر المرضى الى مراجعة المستشفيات الاهلية التي لا يحتمل اعباءها الا من كان ذو حظ عظيم.
لقد عرف العراق ولعشرات السنين بإنتاج الادوية وبعض مستلزماتها والتي تتميز بجودتها وفعاليتها العالية بالمقارنة مع الادوية المستوردة وكانت تسد نسبة عالية من حاجة الطلب المحلي خاصة بعد تأسيس الشركة العامة لصناعة الادوية والمستلزمات الطبية في عام 1965 وفق معاهدة الصداقة والتعاون الاقتصادي والفني بين العراق والاتحاد السوفيتي السابق في عام 1959.
لقد كان معمل سامراء لإنتاج الادوية من الصروح الكبيرة الذي يضاهي في جودة انتاجه ارقى المناشئ العالمية كما لا يقل معمل انتاج الادوية والمستلزمات الطبية في نينوى اهمية من حيث جودة الانتاج وكفاءته العلاجية فقد حصل على شهادة الجودة الدولية iso 9001 من هيئة الاعتماد الاسترالية في العديد من المستحضرات الطبية بما فيها مضادات السرطان فضلا عن ملايين القناني من المحاليل الوريدية المنقذة للحياة .وكان من الممكن توسيع الطاقات الانتاجية في هذه المعامل لو حظيت باهتمام الحكومة العراقية التي تعتمد على الاستيراد حيث ان 60 في المائة من الادوية المستوردة تتم من قبل مكاتب غير مجازة من قبل وزارة التجارة ونقابة الصيادلة وموافقة وزارة الصحة ما أدى الى احتكار الاسعار وكانت وسيلة لتهريب العملة الاجنبية .
وبعد ان ضاق الناس ذرعا بتصاعد اسعار الادوية تذكرت وزيرة الصحة المتهمة بالفساد التي صرحت في تشرين الثاني عام 2017 عن نية لإعادة النظر في اسعار الادوية ووضع مشروع التسعيرة الموحدة والتعاقد مع احدى الشركات التركية لتصنيع اللواصق الخاصة بالتسعيرة بهدف حمايتها من التزوير على ان تكون التسعيرة بالدينار العراقي لمواجهة التذبذب في أسعار الصرف بالدولار ولكن شيئا من ذلك لم يحدث وكأنك يا زيد ما غزيت ليوضع المشروع في قائمة المشاريع الفاسدة. فهل سيفعلها الوزير المنتظر بعد ازاحة طغمة المحاصصة والفساد؟
ان وزارة الصحة التي نأمل ان يأتي وزيرها من العناصر الكفؤة والنزيهة مطالبة بتفعيل مشروع معالجة تسعيرة الادوية وفك الخناق عن رقاب الشرائح الاجتماعية المعوزة واتخاذ الاجراءات الضرورية لحماية صحة المواطنين وكل ما من شانه توسيع قطاع الصحة في البلاد ليكون ملاذا لمعالجتهم. وفي هذا المجال نقترح ما يلي:
العمل على سن قانون الضمان الصحي واعتبار ذلك من الاولويات المنهجية للوزارة المقبلة والعمل على حصر استيراد الادوية والمستلزمات الطبية بالجهات الحكومية المختصة ومن مناشئ عالمية معروفة برصانتها وتفعيل دور اللجان التفتيشية بالتنسيق مع نقابة الصيادلة ونقابة الاطباء ووضع الضوابط لتحديد اسعار الادوية واجور فحص الاطباء.
ايلاء اهتمام أكبر بالصناعة الدوائية الوطنية واعادة انتاجها الى المستوى السابق من حيث الكم والنوع من خلال اعادة تأهيل الشركات الحكومية وتقديم كافة التسهيلات الضرورية من حيث الإقراض والإعفاءات الكمركية.
تطبيق قانون حماية المنتج الوطني على الشركات الوطنية وقانون حماية المستهلك ودعم تحسين نوعيتها اسوة بالبضائع الاستهلاكية المستوردة وتفعيل دور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وتشديد الرقابة في المنافذ الحدودية التي ينتشر فيها الفساد.

عرض مقالات: