كل من يذهب الى ساحة التحرير او سوح الاحتجاجات الاخرى سيلمس مدى الالفة والتعاون والتضامن بين افراد المجتمع العراقي باختلاف اصنافهم واجناسهم، وسيرى أنواعا من الفعاليات السلمية المطلبية منتشرة في ثنايا الساحة او وسطها لصغار وكبار.
استوقفني عند جرف نهر دجلة بجانب جسر الجمهورية، طفلة تلبس ثوبا زهريا وجدلت شعرها ضفيرتان بشكالات ورود. كانت بريئة جميلة بوقفتها على الجرف بمعية والدتها وقد رفعت رسما تضمن وردة ونخلة وعلما وقد كُتب عليها بخط مرتبك "ماكو وطن ماكو دوام".
اوضحت الوالدة ان طفلتها هي من أصرت عليها كي تذهب الى ساحة التحرير، وتوصلها لأقرب نقطة من قوات الشغب، كي ترفع اللافتة التي رسمتها وخطتها، بكلمة "لا دوام لا وطن". عندها التفت الصغيرة الى والدتها وتخصرت بكلتا يديها وبنبرة غضب واضحة قالت لامها: لم تحفظي الدرس بعد، كتبتُ "ماكو وطن ماكو دوام" وليس لا وطن لا دوام. وقدحت عينيها لامها طالبة ان ترددها أكثر من مرة "ماكو وطن ماكو دوام"، احفظي بسرعة، اليوم الدرس هو ماكو وطن ماكو دوام.
هذه الطفلة أعلنت اضرابها عن الدوام المدرسي تضامنا مع الشباب المنتفض، رغم محاولات أمها اقناعها بالعدول عن رأيها، لكن لا جدوى، فهي متشبثة بقرارها ورفضت حفظ درس "بوق نديم قديم، ومزمار مازن، ومن زار بيتنا" فالبيت اليوم بحاجة الى ترميم وإصلاح، والبوق أعلن اليوم الاعتصام، والمزمار يعزف انشودة موطني.
كانت توجه كلامها لقوات الشغب على الجسر وبصوت عالي: لا تقتلون من يريد وطنه، وحقه بالحياة، انهم يريدون وطنهم، لماذا لا تعطونهم وطنهم، لماذا سرقتم وطنهم وتقتلونهم بالقنابل والرصاص؟ يرفعون علما فترمونهم بالقنابل، ينزلون حفاة وعراة في الساحات فتقابلونهم بالمسيل والدخان، نحن كلنا معهم، لا تراجع لا انهزام حتى يسقط النظام.
اليوم يعلو صوت المتظاهر المجلجل، الرافض لكل سراق الوطن والفاسدين، ولايعلو فوق صوته صوت اخر، والكل معه من صغار وكبار، وما من حاجة الى ارقام وبراهين للثبات والإصرار على ان "لا تنازل عن القضية والوطن اصبح هوية".

عرض مقالات: