الإنسان موقف، ومَنْ ليس له موقف في حياته سيعتصره الألم ويعتريه الندم والحسرة في خريف عمره لأنه أضاعه في أمور لم تسجل له موقفا في صفحات الزمن!
ودائما نجد المواقف الإنسانية في حياة الفقراء عندما تضيق الدنيا بهم وبأقرانهم ومواطنيهم جميعا !
ونادراً جدا ما نجد ذلك عند مَنْ امتلأت بطونهم من السحت بشتى أشكاله وألوانه، لأنهم بلا مواقف أبدا، سوى التسلّط والفساد والهيمنة وسلب حقوق الآخرين.
حينما حوصر الوطن بين مطرقة الحصار الجائر وسندان الطاغية، وقف الناس مع بعضهم فتقاسموا الابتسامة ورغيف الخبز، بينما كان هناك مَنْ ساوم الناس على اغلى ما يملكون من أجل كيلو طحين، وتفننوا في اذلالهم ، لا لشيء سوى ملء جيوبهم وكروشهم.
وحينما سقط الطاغية غير مأسوف عليه، ومدّ الفساد أصابعه التي أخذت تتفنن بنخركل مفصل من مفاصل البلاد، وراح يسنّ القوانين والقرارات التي تصبّ في صالحه متناسياً الناس وضارباً بحاضر ومستقبل البلاد عرض الحائط !
اليوم وبعد أن بلغ السيل الزبى، وصار الفساد المشرعن متحكما في كل شيء، حيث أصاب الشباب اليأس والقنوط من حاضر بائس ومستقبل مجهول وغامض، فخرجوا زرافات ووحدانا يطالبون بأبسط حقوقهم المشروعة في بلاد نسوا انها وطنهم لكثرة ما فقدوا الثقة في كل شيء ، صاروا يصرخون : نريد وطناً !
يا الهي انها صرخة غضب مكبوتة في النفوس والحنايا، ويأس أكل أحلامهم فأفقدهم الإحساس بالوطن!
وأي وطن هذا الذي لم يحظ فيه المرء بأدنى حقوق المواطنة، وحين يطالب بها يجابه بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والدخان الخانق، فتسرق منه الروح، ويذهب شهيدا دون أن يُسعد بلحظة فرح في حياته بهذا البلد الذي اراده وطنا ، لكن سرقه الفاسدون وأضاعوه!
لكنه يقف مفتخرا بشهادته وجرحه واختناقه، ويعاود التظاهر مرة أخرى عندما يشاهد أخاه الفقير الذي أراد أن يعيش بأدنى الأجور اليومية وابسطها فعمل سائقا لعربةصغيرة تنقل الركاب تدعى( التكتك ) واخرى للبضائع تسمى ( الستوتة ) وهو يترك عمله ولقمة عيشه ويأتي ليشاركه الوقوف بوجه مَنْ سرق أحلامه وداس على حاضره وأضاع مستقبله ورماه بالرصاص ومسيّل الدموع ووصفه بأقذع الصفات والتُهَم ، حيث أخذ سائقو التكتك والستوتات ينقلون اخوتهم الشهداء والجرحى والمصابين بحالات اختناق ويحاولون فك الحصار عن المحاصرين بنقلهم الى أماكن آمنة ، ويسعفون الرجل الكبير والمرأة العجوز ، ويجلبون الماء والعصائر والاكل لساحات التظاهر ، لأنهم يعرفون جيدا أن اخوانهم المتظاهرين يطالبون بحقوق الجميع، لهذا علينا أن نُحني الرؤوس ونحيي مواقف هؤلاء الذين لم يخونوا ضمائرهم ابدا،، وكانوا في الصفوف الأولى يسطّرون أروع المواقف.
على المسؤولين وكل مَنْ أثرى على حسابهذا الوطن أن يتأملوا مواقف هؤلاء المحرومين المسحوقين ويعيدوا النظر بمواقفهم وطريقة حياتهم قبل فوات الأوان ، وساعتها لن يغفر التأريخ لأحد منهم أبدا !