كثرت الجدران العازلة في العراق، ولم تعد مقتصرة على تطويق المدن ومنها بغداد لحمايتها من الإرهابيين على حد زعم بعض المتنفذين سياسياً وامنياً، متناسين جهلاً او عمداً الأسباب الحقيقية لوجود الإرهاب، وتحول العراق الى حاضنة للمنظمات الإرهابية ووحوشها، الذين لا يمتون للبشر بصلة إلا بالاسم فقط.
وقد قالت العرب قديماً "الجهل مطية، من ركبها ضل ومن صحبها ذل". اما اذا كان الامر عمداً، وهو الأرجح، بالمصيبة اعظمُ، لأن النوايا ستكون متجهة صوب المزيد من الفرهود والخراب، وبقاء الشعب العراقي يتلظى بنار الفساد، وغياب الخدمات والتدهور السريع في جميع مجالات الحياة، كما هو الحال مع كرة الثلج.
السيد رئيس الوزراء كان وما زال حائراً في كيفية إرضاء الكتل السياسية المتنفذة التي لم ولن تتخل عن المحاصصة والنزعة الطائفية. وهي محقة في ذلك لانها اوكسجين الحياة بالنسبة لها، وطريقها المفضل للاستحواذ على الجمل بما حمل، أي على الدولة ومؤسساتها، وبالتالي استغلالها أبشع استغلال لتلبية مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية، كما جرى منذ رحيل الطاغية ولحد الآن.
ولهذا لم تستطع الحكومة تقديم شيء يُعتد به من عمرها الذي قارب السنة. فلا المجلس الأعلى لمكافحة الفساد مارس دوره الحقيقي، وعالج ملفات الفساد الكبيرة مثل بيع المناصب العليا في الدولة والدرجات الخاصة، ولا تهريب النفط وجولات التراخيص، والفساد في البطاقة التموينية، وفي انتاج الطاقة الكهربائية، وبناء المدارس (الهياكل الحديدية) والمدن الطبية العشر، وبيع العملة الأجنبية، وتهريب الأموال خارج العراق، وبيع عقارات الدولة والاستحواذ عليها، خاصة بعد تسليم "سائرون" ملفات فساد كبيرة وخطرة جداً حول عقارات الدولة الى رئيس الوزراء، فضلا عن حجم الفساد في دوائر التسجيل العقاري. كذلك المشاريع الاستثمارية المتلكئة والوهمية (6000 مشروع) وصفقات التسليح الكبرى الروسية والاوكرانية والجيكية، بالإضافة الى ملف الفضائيين وملفات الفساد في امانة بغداد والصناعة والزراعة والبلديات والخدمات الغائبة كلياً، او قريبا من ذلك، لا سيما الكهرباء والماء الصالح للشرب في قيظ لا شبيه له، ولم يجربه المتنفذون الذين يعيشون رغداً ورفاهية لم يروها حتى في احلامهم.
وللخروج من هذه الحيرة ولو جزئياً، تسارعت اللقاءات والاجتماعات والولائم الدسمة، خاصة بعد العطلة التشريعية لمجلس النواب، الذي هو الآخر لم يقدم منجزاً يتناسب مع مسؤوليته، وادائه دون المستوى بكثير. وقد اسفرت هذه النشاطات عن استمالة احدى الكتل الكبيرة مقابل ثمن باهظ طبعاً، حيث وعدت ان تكون جداراً عازلاً يحمي الحكومة حسب تصريحات قادتها، وأول الغيث كان تصريح احدهم بأن هناك تقدماً ملحوظاً في أداء الحكومة، وان عبد المهدي، قطع شوطاً كبيراً بالقضاء على الفساد والضرب على يد الفاسدين!
المشكلة الكبرى ان من يحدد المسارات هو موازين القوى وليس الدستور، الذي يتشدق الجميع بالحرص على تطبيقه، لكن الجميع ينتهكه ويتعامل بانتقائية مع مواده وفقراته. كما ان المسؤول الناجح في عرفهم هو القادر على تحصيل اكبر قدر ممكن من المغانم لحزبه وحاشيته!
العراقيون يريدون إنجازات على الأرض، لا أحاديث مكررة ومملة حد القرف تسعى لإبقاء الكوارث لصيقة بالشعب العراقي، لكي تتنعم قلة حملتهم الصدفة الى مواقع المسؤولية، فأساؤوا استخدامها الى ابعد الحدود.

عرض مقالات: