أسدل التصويت يوم الاثنين 22 تموز 2019 في مجلس النواب على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية الرقم 12 لسنة 2018، واعتماد نسبة 1,9 بطريقة سانت ليغو في حساب اصوات الناخبين، الستار على امكانية التغيير في الانتخابات المقبلة، وهيأ للمتنفذين فرصة الهيمنة على الحكومات المحلية بضع سنوات اخرى. وبذلك فتح الابواب امام مواصلتهم التحاصص البغيض وتقاسم المنافع والامتيازات وتغذية شجرة الفساد.
وبهذا المعنى جاء التعديل ليضفي الشرعية على احتكار السلطة، ويقطع الطريق على تلبية المطالبات الشعبية المتواصلة والمتصاعدة بانهاء المحاصصة، ويسد المنافذ امام رياح التغيير ويمنع هبوبها على جسد الدولة، الذي تعفنت اوصاله جراء المحاصصة ذاتها وبفعل الفساد والتقصير في تقديم الخدمات والتسبب في تردي الاوضاع المعيشية.
ويتضح بجلاء ان اصحاب القرار الذين اوعزوا لنوابهم ان يصوتوا بالصورة غير المشرفة التي صوتوا بها، انما ارادوا ان يلغوا اي تمثيل في المجالس المحلية لمن يعارضون نهجهم، ويشطبوا خصوصا امكانية تمثيل القوى المدنية والاحزاب الجديدة والشخصيات السياسية المستقلة الواقفة بالضد من المحاصصة، والقوى والشخصيات ذات الارادة الصلبة في التصدي لسياسات المتنفذين.
منذ سنوات واصحاب مشروع التغيير الحقيقي، التغيير الجذري، يعملون بدأب على تجميع وتنظيم القوى لاصلاح بنية النظام وانقاذها من نهج المحاصصة المدمر، المطبق بمسميات مداهنة مثل التمثيل المتوازن للمكونات، ولاعتماد اسس المواطنة والمساواة والعدالة، وتكافؤ فرص الجميع في الوظيفة العامة وفقا لمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة اضافة الى مبدأ المواطنة. المعايير التي ليس بينها الهويات الطائفية والمناطقية والعشائرية والحزبوية.
وهذا كله يتعارض مع التعديل الجائر الذي اقرته اغلبية المتنفذين في مجلس النواب، والذي ضمن لهم تدوير اتباعهم في مقاعد المجالس التشريعية في المحافظات، كمقدمة ضرورية ومدخل لاحتلال المواقع التنفيذية، حيث العقود والصفقات والامتيازات بعيدا عن المراقبة النزيهة والمساءلة القانونية.
ولعل النائب الذي صوت مؤيدا التعديل الظالم، لا يجهل انه سد بذلك المنافذ امام تدفق رياح التغيير والتجديد، ولو الى حين، واحبط آمال المواطنين في تحقيق الاصلاح عاجلا. ولعله ومن ورائه المتنفذون يريدون، اضافة الى ادامة احتكارهم مقاعد مجالس المحافظات، ان يوصلوا رسالة مفادها ان لا تنتظروا يا ناس اصلاحا عبر الانتخابات! وليس لكم الا اليأس من امكانية التغيير بالانتخابات ومن ضمان تمثيل النزيهين المخلصين، والا ادراك عدم جدوى المشاركة في الانتخابات المحسومة نتائجها سلفا لصالح قوى المحاصصة والفساد.
وهكذا يجعلون الانتخابات اقرب الى مسرحية هزيلة معلومة النتائج، لا مفاضلة فيها بين قوائم المتنفذين، بين زيد منهم وعبيد.
لكن ما لا يدركه النائب الخادم للمتنفذين، والذي يضع صوته في خدمة مصالحهم، انه فيما ينهى الامل بالتغيير عبر الانتخابات هذه المرة، يفتح بابا آخر للتغيير السلمي. فالشعوب لا تصبر طويلا على من يغشها ويحرف ارادتها، ولا تنسى من يفرطون بمصالحها. ومسيرة البشرية زاخرة بالامثلة على ذلك، لعل احدثها تجربة الانتفاضة الشعبية الباسلة للشعب السوداني، ضد من تجبروا واستبدوا وعاثوا فسادا في ارض بلده، طوال ثلاثة عقود عجاف من السنين.

عرض مقالات: