تكتسب موضوعة اعادة اعمار الريف وتطوير قواه المنتجة والنهوض بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وزيادة إسهاماته في الاقتصاد الوطني وتحقيق الامن الغذائي اهمية كبيرة في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة واعتبارها من الواجبات الكبرى التي يتعين على الحكومة العراقية ادراج سياستها الزراعية ضمن البرنامج الحكومي ومتابعته باستمرار في كافة جوانبه التفصيلية وصولا الى الاهداف المرسومة.
ولكن من خلال متابعة السياسة الزراعية لما بعد 2003، لا يمكن للمتابع الاقتصادي ان يجد منجزا ملموسا ذا قيمة اقتصادية فعالة في عملية التنمية الاقتصادية وخاصة من خلال اسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي الذي لا يزيد عن (6) في المائة وفقا للخطط التنموية الخمسية التي وضعتها الحكومة لأسباب يتعلق بعضها بغياب الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية الواقعية والثابتة بالإضافة الى ضعف التنسيق والعمل المشترك بين الوزارات ذات العلاقة بالإنتاج الزراعي فضلا عن تخلف الجهاز الاداري وصناعته في ايجاد بيئة تتفاعل فيها الشللية والانتفاع الشخصي المنفلت والارتياحات الشخصية وغياب التشريعات واللوائح الناظمة للعلاقات الاقتصادية – الاجتماعية فيما يتعلق بالحيازات وانماط الانتاج وضعف الدولة في تطبيق النافذ منها دون نسيان مزاحمة المنتج الاجنبي وعدم تطبيق الروزنامة الزراعية ويقف خلف ذلك كله وربما على راسها عمليات الارهاب والمحاصصة الطائفية - الاثنية التي اسهمت في تحطيم قوى الانتاج الاجتماعية على امتداد الساحة العراقية .
ورغم كل هذه العقبات، نسمع من وزارة الزراعة حاليا توجهات مشجعة قد لا ترقى الى التوجهات الاستراتيجية لكنها قد تسهم في فتح بوابات تدعيم انتاج المحاصيل الصناعية خاصة والانتاج الزراعي عامة ومنها على سبيل المثال متابعة البرنامج الحكومي الخاص بوزارة الزراعة وتشكيل مركز للنخيل والتمور واستحداث مستوصفات بيطرية في محافظة صلاح الدين وشعبة للاستثمار الزراعي وتشكيل لجنة للنظر في آلية توزيع الاعلاف من الشعير والذرة ودعم كسبة فول الصويا وتخفيض اسعارها واخرها وربما ليس اخيرها السماح للفلاحين بزراعة المحاصيل الصناعية مثل الكتان والسمسم وزهرة الشمس والقطن ومن الضروري اضافة النباتات الطبية وبنجر السكر والقصب السكري والتبغ التي تدخل في صناعة المنسوجات والسكائر والزيوت النباتية والادوية والسكر وغيرها من الصناعات التي يرتبط تطورها وانخفاض تكاليف انتاجها بتوافر هذه المحاصيل التي لا تتجاوز مساحتها المزروعة حاليا 480 الف دونم بما لا تشكل اربعة في المائة من مساحة الاراضي الصالحة للزراعة فيما لا تزيد الاراضي التي تكسوها الغابات الطبيعية عن اربعة في المائة من المساحة الكلية ولكن المزروع منها حاليا ليس من النوع الذي يستخدم للأغراض الصناعية .
ان استنهاض دور القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني في عملية تنمية اقتصادية استراتيجية تتطلب من وزارة الزراعة مراجعة وظيفتها كونها الطرف الفاعل في هذه العملية وليس المراقب والمخطط فقط ولكن بوصفها وزارة اقتصادية اجتماعية وهذه المهمة ترتب عليها توفير مستلزمات هذه الاستراتيجية بآلياتها وادواتها ونقترح في هذا المجال من بين امور كثيرة العمل على:
1. تطوير السياسة الزراعية من خلال وضع استراتيجية متكاملة وواضحة من خلال ايلاء اهتمام استثنائي للتصنيع الزراعي والعمل على تهيئة القاعدة المادية لرفع انتاجية المشاريع الخاصة بالتكامل الصناعي الزراعي التي توفر بدورها الاسس الموضوعية لنمو وتطور انتاج المحاصيل الصناعية والثروة الحيوانية واستخدام الاساليب الحديثة لهذا الغرض.
2. تشجيع الفلاحين والمزارعين على الاكثار من زراعة اشجار الزيتون بالإضافة الى المحاصيل الصناعية الاخرى وتقديم التسهيلات والمواد المناسبة بأسعار تشجيعية وتنشيط المشاريع التعاونية والمختلطة لصناعة زيت الزيتون الذي يزداد عليه الطلب باستمرار لأغراض الطعام والاستخدامات العلاجية واستخدامات متنوعة اخرى.
3. تشجيع الاستثمار الكبير سواء المحلي والاجنبي في القطاع الزراعي بشقيه حيث يمتلك العراق مساحات زراعية كبيرة جدا ولكنها بحاجة الى توفير المقدمات الضرورية للمستثمرين من الاراضي والقاعدة التحتية والتشريعات الجاذبة وتسهيل الاجراءات بعيدا عن الروتين وممارسات الابتزاز من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الحيوانية التي تكلف العراق مليارات الدولارات لاستيرادها من دول الجوار.

عرض مقالات: