بديهيا ان نقص الخدمات وشحها في اجزاء كثيرة من بغداد يزيد من حجم الفقر، والدليل على ذلك توقف عمل الكثير من الورش والمحال الصناعية بمجرد انقطاع الكهرباء اوالماء، وبالتالي تسريح الكثير من عمالها وصناعتيها لكساد العمل واندثار حرفهم ومهنهم وهؤلاء قد تدهورت حالتهم المادية.
ومثال اخر، ان قرية الاوقاف خلف سايلو حبوب الرصافة الثانية مقابل بوابة بسماية، تعاني ارتفاع نسبة الفقر بسبب نقص الخدمات، فهي بلا كهرباء ولاماء لعدم اكتمال الشبكة الكهربائية ومنذ سنوات طويلة، كذلك وجود خلل في شبكة الاسالة فلا يصلها ماء، وسكانها مجبرون على شراء الماء من التناكر وغيرها.
وبالرغم من اعتقادنا ان السيول في فصل الشتاء زادت من نسبة المياه في الأنهار ولهذا تنتفي الاعذار عن شح المياه لكن المشكلة تكمن في ترميم شبكات الاسالة، ففي ايام الصيف الحارة عندما يدخل الكادح " معيل العائلة" منزله ويجد ان الماء شحيح، وهنا من الطبيعي ان حالته النفسية تنهار ما يؤثر سلباً على عطائه الاجتماعي والاقتصادي، ويحاول بكل جهد ان يجد منفذا يمكنه من الحصول على الماء، وقد يقوده تفكيره السريع للتجاوز على الشبكة الاسالة للحي المجاور، والتجاوز هنا يسبب مشاكل صحية وبيئية فضلاً عن اهدار ماء الاسالة نتيجة التسربات التي تحدثها التجاوزات، وكل هذه العملية تمثل اهداراً للمال والجهد ودفع صرفيات وغرامات لامبرر لها.
من جانب القمامة وتراكمها، تعاني الاقضية والنواحي والقرى في بغداد هذا الخلل الخدمي، والمتمثل في عدم رفع القمامة والنفايات بشكل مستمر، لذا نجد منظر القمامة ورائحتها الكريهة تزيد من سوء الحالة النفسية للمواطن وتؤثر على عطائه اليومي، فضلاً عن المشاكل البيئية والصحية، فمعظم التقارير التي تتناول مشكلة القمامة تطرح صيغة (المنظر المقزز) ما يدل على ان تكدس القمامة ومنظرها المقزز يؤثر سلباً على نفسية المواطن فيضطر بقبول ابتزاز البعض من المعنيين ويدفع رشى او هبات مالية بغية التخلص منها.
من منا لا يعرف كم حي سكني او سوق شعبية او مدرسة تعاني مشكلة صرف المياه الثقيلة (المجاري) بل ان معظم الدوائر الرسمية التي بناياتها قديمة تعاني مشكلة الصرف الصحي، وتصور نفسك تلميذاً في حي تطفح مجاريه ومدرسة تنبعث منها الرائحة المقززة بسبب طفح للمياه الآسنة التي تغزوها، ما يعطي انطباعاً للتلميذ ان النظافة غائبة عن البيت والدرس، عندها يطالب والده بالذهاب الى المدرسة الاهلية والتي تكون أنظف وأجمل حسب اعتقاده وبغية التنعم قليلا بجو صحي.
الا تعتقد بأن هذه الأمور تورث الفقر لا محال في ظل تدني الأجور وغياب فرص العمل وقلتها، وذلك ان لشح الخدمات الأساسية اسباباً مرتبطة ارتباطا وثيقا بتدهور مداخيل الفرد القليلة والتي تستنزف من اجل توفير خدمات وعلى حساب ضروريات واساسيات أخرى.