يحظى قطاع التجارة الخارجية في العراق باهمية كبيرة في مجمل النشاط الاقتصادي وتتجسد اهمية هذا القطاع عبر ما توفره الصادرات من عملات اجنبية تسهم في تمويل الواردات الضرورية في تلبية متطلبات عملية التنمية المستدامة وهذا بدوره يتطلب من الحكومة الاهتمام بدراسة المشكلات الاساسية التي تواجه الميزان التجاري وتحليل مكوناته ومعالجتها بما يعزز تحفيز عملية التنمية الاقتصادية.

فالميزان التجاري في الادبيات الاقتصادية يمثل الفرق بين قيمة الواردات في بلد ما وفي وقت معين وقيمة الصادرات، لذلك يعتبر هذا الميزان من المؤشرات الاقتصادية المهمة ليس فقط في قيمته المطلقة وانما في نوع مكوناته ويعد هذا النوع ايجابيا في الاستيرادات اذا كانت المواد الاولية المكونة لها ملبية لعمليات الانتاج الجارية. فتنوع الصادرات السلعية يؤدي الى قلة المخاطر في امكانية الحصول على العوائد من النقد الاجنبي ونمو الاحتياطي النقدي والعكس صحيح حيث في حال التركيز على الوقود المعدني الذي كان يشكل في عام 2003 ما معدله 84 في المائة من الصادرات وارتفعت هذه النسبة الى 99 في المائة في عام 2012 وما زالت هذه النسبة حاليا في اعلى مستوياتها.

 ولم تقتصر المشكلة على الصادرات وانما تتمظهر مخاطرها في الاستيرادات على نحو افضل حيث ان جزءا كبيرا من النقد الاجنبي المتأتي عن طريق تصدير النفط يعاد تدويره الى الخارج لغرض استيراد بضائع معظمها استهلاكية لا علاقة لها بالانتاج وتؤكد الاحصائيات المتوافرة ان جزء كبيرا من الانفاق الحكومي يذهب الى استهلاك سلع معظمها مستورد من الخارج ولا يذهب الى تطوير القاعدة الانتاجية وبالتالي لا يسهم في خلق فرص عمل لامتصاص البطالة المتركزة بين الشباب بشكل اساسي.  ولتأكيد هذه الاستنتاجات فان اجمالي مبيعات البنك المركزي منذ عام 2004 ولغاية عام 2016 بلغت 282 مليار دولار معظمها للقطاع الخاص الذي بلغ اجمالي استيراداته خلال هذه الفترة 278 مليار دولار فيما بلغت الاستيرات الحكومية لنفس الفترة عن طريق المصرف العراقي للتجارة (TBI ) 98 مليار دولار . وحسب توقعات صندوق النقد الدولي فان النفقات التجارية ستكون في عام 2014 بحدود 71 مليار دولار فيما تبلغ في عام 2016 ما قيمته77  مليار دولار وفي عام 2018 كانت 85 مليار دولار اما قيمة استيراد الخدمات الاستشارية كالاستشارات القانونية والعلاج فتقدر بنحو 30 في المائة من قيمة الواردات وتصل الى 20 في المائة مقدمة للحكومة والافراد. وحسب احصائية لوزارة التخطيط فان حجم الاستيراد الخارجي في عام 2016 بلغ 50 مليار دولار بارتفاع 20 في المائة عن عام 2015.

مما تقدم تتضح اهمية الخروج من حالة الانفلات في التجارة الخارجية وغياب القوانين الناظمة لها والشروع بالتخطيط العلمي لايجاد مصادر الدخل وتحويل الجزء الاكبر من الموارد النفطية لاعادة بناء القطاعات السلعية وحماية منتجاتها من الضغوط التجارية الاجنبية من خلال تفعيل التشريعات الحمائية والتأكيد على تحسين تركيبة الاستيرادات الاجنبية بما يلبي احتياجات القطاعات الانتاجية من المواد الاولية المصنعة ونصف المصنعة وسد الطلب الاستهلاكي من الانتاج المحلي وفي هذا الصدد نقترح الآتي:

  1. ضبط عملية منح اجازات الاستيراد للتجار العاملين في القطاع الخاص للحد من استيراد ما هب ودب من البضائع الاستهلاكية وغلق قناة خطيرة لتهريب العملة وتفعيل دور الرقابة التجارية وخصوصا في المنافذ الحدودية التي تتسلل من خلالها البضائع المسرطنة ومنتهية الصلاحية بل والفاسدة.
  2. التنسيق التام بين الجهات المسؤولة عن دخول البضائع والمتمثلة بوزارة التجارة وهيئة المنافذ الحدودية والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وشركات الاخراج الكمركي والتطبيق الحازم للقوانين الناظمة للاستيراد كقوانين التقييس والسيطرة النوعية وقانون حماية المنتجات المحلية وقانون حماية المستهلك وقانون منع الاحتكار.
  3. تقليل الاعتماد على النفط كمصدر اساسي في الانتاج المحلي الاجمالي وتحويله الى قطاع منتج للثروات وتدعيم الطاقات الانتاجية لمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني من اجل تنويع مصادر الدخل وتوجيه الاستثمارات لهذه القطاعات.
عرض مقالات: