شهران لا أكثر تفصلاننا عن انهاء اشغال المناصب الحكومية بالوكالة، حسب قانون موازنة عام 2019، ولا يبدو في الافق ان انهاء هذا الملف سيتم في وقته المحدد. ويجري الحديث حول آلاف الوظائف التي تدار بالوكالة، وهناك من يقدر العدد بأكثر من 4000 وظيفة عامة، لم يحسم منها منذ التغيير عام 2003 حتى الآن سوى بعض اعضاء الهيئات المستقلة، وعدد محدد من السفراء ووكلاء الوزارات والمدراء العامين.

قد يكون هذا الملف من اهم الملفات التي تتلكأ السلطات في انجازها، وهناك اسباب عديدة تحول دون تنفيذ هذه الفقرة المهمة في قانون الموازنة. وليست سعة العدد المراد حسمه هي الامر الوحيد، بل هناك التباين والاختلاف في تمثيل مصالح ورؤى اطراف القرار السياسي. كما ان هناك من لا يرغب في تحريك هذا الملف بذريعة الخشية من تعطيل عمل مؤسسات الدولة، اذ ستتوقف صلاحيات كل من يشغل وظيفة عامة بالوكالة! مقابل ذلك هناك من يسعى الى اعادة انتاج المحاصصة، حيث لا تخرج نظرته الى معالجة ازمات البلد الا من خلال نهج المحاصصة، عبر تفسيرات مفضوحة لا يمكن ان تقنع احداً بعد ما شهد العراقيون اضرار المحاصصة، وما انتجت من خراب وفساد تجذر في مؤسسات الدولة ومفاصلها.

الاعتراضات التي تصاعدت خلال السنوات الماضية على الدولة العميقة، هي اعتراضات صحيحة وفي محلها، حيث تم حصر مناصب الدولة بحزب معين واتجاه محدد ولون واحد. فالمنصب العام محصوراً بأزلام المتنفذين واتباعهم، وجلهم من عديمي الخبرة الفاشلين وضعفاء النفوس، الذين هم من اهم اسباب الفساد، الذين وفروا البيئة المناسبة لإعادة انتاجه.

 الفساد هو الدولة العميقة، والمحاصصة هي جذره، وأي اجراء ينطلق من المحاصصة هو ترسيخ للفساد. ما يتطلب عدم التلكؤ في التصدي له. وكان مطلب تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي الذي يجب ان تبتعد تركيبته عن المحاصصة الطائفية والاثنية، من بين اهم مطالب حركة الاصلاح، التي عارضت الاجراءات التي اريد من خلالها الالتفاف على مطلب ترسيخ الدولة العميقة باسم انهائها، لذا فالمطلوب ليس احلال دولة عميقة بدلا من الموجودة.

 ان مناصب الدولة ليست غنيمة يتقاسمها المتنفذون، تحت ذرائع شتى من بينها الاستحقاقات الانتخابية. فلكل مواطن الحق في المشاركة في ادارة الدولة، مستقلا كان او منتميا. ولا ينبغي حرمان المستقل من ذلك،  الوظيفة العام تتاح للجميع والاختيار يتم عبر اعتماد معايير واضحة، تتلخص في المواطنة والكفاءة والخبرة والنزاهة، وفق التنوع والعدالة والانصاف.

 اما غير ذلك فهو اعادة انتاج للمحاصصة البغيضة.

عرض مقالات: