بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قاد القس آبي بيير (1912 -2007) وكان فاعلا في المقاومة الفرنسية ضد الجيش النازي الالماني، حملة لتأمين سكن لائق لكل مواطن فقير. وأطلق القس بيير، بعد انتهاء الحرب مؤسسة الأب بيير لإسكان الفقراء، وبقي يعمل طيلة حياته من اجل هذا الهدف، كما أسس أسواقا خيرية لتأمين الحاجات الضرورية للعوائل المحتاجة، وهي شبه مجانية، أطلق عليها اسم "ايمايوس" وما زالت فاعلة في كل أرجاء المدن الفرنسية.
وهناك تفاعل مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من أجل تأمين سكن اجتماعي تتوفر فيه الخدمات الاساسية الضرورية من ماء وكهرباء.. الخ، على ان تدخله اشعة الشمس من أحد جوانبه. ويكون بدل الايجار مدعوما من قبل صندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالسكن لذوي الدخل المحدود. أما إذا أراد المواطن أن يشتري بيتا مستقلا، وهو ما يكون خارج المدن غالبا ، فإن المصارف، سواء الأهلية ام المرتبطة بالحكومة، هي المسؤولة عن تقديم القروض الميسرة من أجل هذا الغرض.
وفي حالتي الاستئجار او التملك يستوجب إعداد بيانات سكانية مضبوطة يدخل فيها التصريح الضريبي السنوي الذي يشمل كل المواطنين من دون استثناء. فالكل في فرنسا مجبر على التصريح بوضعه المالي-المعيشي من النادل إلى الرئيس!
ولنأخذ نموذجا عربيا في تأمين سكن لائق للمواطن إلا وهو الجزائر، التي استطاعت القضاء على أزمة السكن، وانقاذ قسم كبير من مواطنيها، سكنة البيوت القصديرية ( اكواخ عشوائية)، وذلك من خلال بناء وحدات سكنية بحدود 200 الف شقة سنويا على مدار أكثر من عشر سنوات، بالتعاون مع شركات استثمارية، وببدل ايجار مخفض ينسجم مع قدرة المواطن الاقتصادية.
وهكذا فالدول تعمل على تأمين الحد الأدنى من اشتراطات الحياة الممثلة بالسكن بالدرجة الاولى، وتعتبر هذا جزءاً من واجباتها البديهية وليس " منّة" من هذا المسؤول أو ذاك، او " هبة" من الحزب الفلاني!
في عراق الأمس واليوم يعتبر منح قطعة ارض لأي مواطن منجزا تاريخيا لا يضاهى! واول سؤال يواجهك أمام المسؤولين، اليوم، على قطعة ارض جرداء: هل لديك شهيد؟! يعني عليك ان تضحي بأحد أفراد عائلتك لكي يكون جواز مرور لقطعة الارض (وليس لشقة أو بيت!)، التي اصبحت مكسبا جماهيريا يدخل في برامج وأهداف اتحادات ونقابات وأحزاب مختلفة، نسيت في معظمها أن هذه القضية هي من واجب الدولة بشكل أساس، فالحكومة التي لا تؤمن لأبنائها سكنا لائقا لا خير فيها!