من بديهيات السياسة في زمن الانحطاط الذي نعيشه اليوم، أن أي نجاح أو انجاز يحققه الحزب الشيوعي العراقي على الصعيد السياسي أو الجماهيري، ويجد صداه الايجابي في أوساط واسعة من أبناء شعبنا، يفقأ عيون أعدائه، ويصيب بالهستيريا البعض من الحاقدين، ليصبح في المطاف الأخير جزءاً لا يتجزأ من شخصيته وسلوكه.

وإذا أعيت الحيلة هذا النفر المريض، تراه يلجأ إلى الدفاتر القديمة، متشبهاً بالتاجر المفلس، الذي يبحث في نفاياته وأوراقه المنتهية صلاحيتها منذ أمد بعيد، لعله يجد شيئاً يتعكز عليه، ويعيد له بعض خساراته.

ما صرح به البعض من هواة السياسة في الأيام القليلة الماضية سواء في الفضائيات أو في الصحف الرخيصة، لا يخرج عن هذا الإطار المتسخ بغبار الدونية والعقد النفسية، زاعمين مع سبق الإصرار والترصد، أن أحداث كركوك والموصل في عام 1959، كان وراءها الشيوعيون، في حين ان الشيوعيين كانوا هم الضحايا، وانهم قدموا قرابين غالية دفاعاً عن الجمهورية العراقية الوليدة.

كان العداء لثورة (14) تموز المجيدة، هو الدافع الحقيقي لتشكيل حلف غير مقدس بين العوائل الرجعية والإقطاعية في الموصل، وبعض الضباط القوميين، وبدعم غير محدود من الجمهورية العربية المتحدة، وبالتالي القيام بحركة انقلابية قادها عبد الوهاب الشواف من الموصل في 9 آذار 1959.

وقد مهدت هذه القوى لتآمرها على الثورة باضطهاد الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين في الموصل، فقتل وعذب واغتيل العديد منهم، أملاً في تغيير ميزان القوى لصالح المتآمرين، وامتداداتهم في بغداد وعدد من المدن العراقية الاخرى. لكن القوى العسكرية والمدنية المخلصة للثورة وقيادتها، استطاعت خلال يومين لا ثالث لهما أن تدك أوكارهم، وتجهض مشروعهم الإجرامي.

وعلى خلفية الاحتفالات بالذكرى الأولى للثورة في كركوك، اندلعت أحداث مأساوية وارتكبت جرائم يندى لها الجبين، لا علاقة للشيوعيين بها لا من قريب ولا من بعيد، وهذا ما أكده سياسيون ومراقبون منصفون، ليسوا شيوعيين ولا علاقة لهم بالحزب الشيوعي، أمثال المحامي جرجيس فتح الله القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والباحث المعروف الدكتور عبد الفتاح بوتاني والمؤرخ الأفضل لتاريخ الحركة السياسية في العراق، المفكر الفلسطيني د. حنا بطاطو. بل أن صحفياً بريطانياً معاديا للشيوعية اسمه "أرويل دان" أكد هو الآخر في كتابه عن الزعيم عبد الكريم قاسم، أن الشيوعيين بعيدون كلياً عما جرى في كركوك، وأن العداء التاريخي بين بعض المتعصبين من الأكراد والتركمان، وبتحريض ونشاط فعال من جانب شركات النفط الأجنبية، ونظام الشاه في إيران، هم المسؤولون لا غيرهم.

وفي تقرير رسمي رفعه إلى وزارة الداخلية المقدم محمود جاسم المسعودي مدير شرطة كركوك آنذاك، تناول موقف منظمة الحزب الشيوعي في كركوك، والجهود الكبيرة التي بذلتها لرأب الصدع بين الطرفين، والسعي لتوحيد المظاهرتين في مظاهرة واحدة، احتفاء بثورة 14 تموز. بيد أن حجم التآمر على الثورة، وعلى الشيوعيين وسائر أبناء الشعب العراقي، كان أكبر بكثير، فأفلتت الأمور وخرجت عن مسارها الطبيعي، مما أوقع العشرات من الضحايا البريئة.

وآخر الأعراض الجانبية لهذا المرض، ان عميلة للأمن الصدامي، كانت متزوجة من عميل آخر، ظهرت في إحدى الفضائيات، وفي توقيت مشبوه، للتشهير والافتراء على الحزب الشيوعي وقيادته ورفاقه، أملاً في الانتقام منه، ومن دوره الوطني والديمقراطي.

إنها شماعة رثة ومزيفة، لا يستخدمها إلا الأكثر رثاثة وزيفاً منها!

عرض مقالات: