كان شعب العراق سباقا في الانقضاض على الطغاة من حكامه، قبل حدوث الربيع العربي بما يزيد على عقدين من السنين، وانطلقت الشرارة في محافظة البصرة مع بداية الربيع في اذار 1991، حين قام ضباط وجنود، انسحبوا من الكويت ووصلوا البصرة مشيا على الأقدام، برشق صور صدام بالرصاص، على إثر هزيمة الجيش العراقي وتوقيع النظام وثيقة الذل في خيمة صفوان! ووقع على الوثيقة من الجانب الأمريكي جنرال "كاوبوي" اسمه شوارتسكوف، ومن الجانب العراقي جنرال ذليل اسمه سلطان! واشتعلت الانتفاضة مثل نار في هشيم متيبس، وسرعان ما أسقطت سلطة الحكومة وحزب البعث الحاكم في معظم المدن كبرى في الجنوب والوسط، من قبل المنتفضين. وعمليا لم تبق إلا بغداد عصية على السقوط، ومع هذا كان سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى كما تقول العرب! حينها لم تعرف الشعوب، وخاصة العراق، انتشار الفضائيات بهذا العدد الحالي، ولا الانترنيت، ولم تكن مواقع التواصل الاجتماعي موجودة وفعالة مثل ما هي عليه اليوم.
فلم تلق، للأسف، انتفاضة آذار الدعم المطلوب من المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة، التي منحت النظام الآيل للسقوط الحق في استخدام طيرانه لدك مدن المنتفضين على رؤوسهم. وبحملة اعدامات لم يشهد العراق مثيلا لها، اذا ما استثنينا حملة الأنفال سيئة الصيت، ضد شعبنا الكردي، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف في ثمانينيات القرن الماضي!
لم يتعظ النظام البائد مما جرى في مدنه من رفض جمعي لحروبه وأسلوب حكمه الشمولي. وكان سقوط النظام في 2003 والعثور لاحقا على رأس النظام في حفرة، قد قدم درسا بليغا لمن يمتلك نُتَفا من الضمير الوطني والمعرفة في السياسة وادارة الحكم. ومع هذا لم يتعظ جبابرة العرب من المحيط إلى الخليج. فحدث ما حدث، خلال ما سمي بالربيع العربي، من كنس دكتاتوريات شمولية جثمت على رقاب شعوبها لردح طويل من الزمن! وانتهت جميعها إلى مزبلة التاريخ ليسجل للشعوب مأثرة كبيرة في المقاومة، وما زالت تجربة الشعب المصري، في مقاومة الفكر التكفيري وإسقاط من حاول ركوب الموجة العارمة والادعاء بأنه يستمد السلطة من السماء، ماثلة للعيان!
واليوم، ونحن نكتب هذه السطور، ننظر باحترام وتقدير كبيرين الى الشعب السوداني البطل، الذي عانى سنوات طوال من الاضطهاد والسجون والجوع والحروب الداخلية، استطاع هذا الشعب الابي، أن يزيح عن كاهله ابشع نظام عرفه السودان، واضعا قطار التغيير على السكة الصحيحة، بعد أن انحاز المجلس العسكري الانتقالي الى المتظاهرين والمعتصمين وابدى انفتاحا على حركة التغيير المدنية، متعهدا بإحالة الفاسدين في النظام السابق إلى القضاء.
فمتى تتعظ البقية الباقية من الحكام من تلك التجارب التي أثبتت أن البقاء للشعوب، طال أو قصر عمر الطغاة!