يتواصل الجدل بشأن انتخابات مجالس المحافظات التي أعلنت مفوضية الانتخابات عن استعدادها لإجرائها يوم ١٦ تشرين الثاني ٢٠١٩ . وقالت المفوضية لاحقا ان الالتزام بهذا الموعد مشروط بتعديل مجلس النواب قانون انتخابات مجالس المحافظات، بحيث يجري فصل انتخابات مجالس المحافظات عن انتخابات مجالس الأقضية، وان يُنجز هذا في شهر نيسان المقبل، والا فسيصعب الالتزام بالموعد المقرر. ومن جهتها خصصت الحكومة المبالغ المطلوبة لإجراء الانتخابات في الموعد المذكور.
هذا على الجوانب اللوجستية والفنية والمالية. لكن هناك جانبا آخر هو الأهم، ونعني به الجانب السياسي، الذي يتواصل التدافع القوي فيه على مصير مجالس المحافظات. فهنا يعالج كلٌّ من زاويته بل ومصالحه، موضوع انتخابات مجالس المحافظات، ويقترح ما يناسب رؤاه.
هذه المواقف المتقاطعة تقول بإلغاء المجالس اصلا، وهناك من يريد تجميدها، فيما بعض ثالث يدعو الى تمديد فترة عملها (بعد ان مددت أكثر من مرة) وبعض رابع يحرص على ان تجري في موعدها وعلى تجديد تركيبتها بما ينعكس ايجابا على عملها .
ومن يقول بإلغاء مجالس المحافظات يسوق الكثير من الأمثلة عن الفساد وتبذير المال العام وسوء الادارة وتردي الخدمات وعدم إنجاز المشاريع المخصصة للمحافظات على وفق تخصيصات تنمية الأقاليم. وعلى رغم التفاوت النسبي في اداء المجالس، فان ما يقال عنها فيه الكثير من الصحة، ولا يمكن الا الاتفاق معه. لكن المفارقة تكمن في ان معظم من يدعون الى الغاء المجالس هم من القوى والكتل السياسية التي هيمنت عليها منذ البداية وحتى يومنا هذا !
ويبقى التساؤل الكبير حاضرا: هل ان معالجة مشاكل مجالس المحافظات تمر عبر إلغائها ؟ وهل يتوجب ان نلغي مؤسسات الدولة جميعا لان الفساد مستشرٍ فيها ؟
لقد عرض رئيس الوزراء امام مجلس النواب خارطة للفساد فيها ما يزيد على٤٠ ملفا، ولَم تبق "دربونة" في الدولة الا واشار اليها، مع العرض ان ما قيل معروف قبل الآن بكثير، وربما هناك الأكثر منه. ولعل الناس لم تكن تريد ان تسمع تفسيرا بل تغييرا وعملا ملموسا! وهذا يشمل مؤسسات الدولة جميعا، بما فيها المكلفة بمهمة التصدي للفساد ومكافحته. وفِي هذا السياق نشير الى ان من بين المبررات التي تطرح لالغاء مكاتب المفتشين العموميين، كون بعضها متهم بالفساد، وان هناك حقا من لاحقه القضاء .
ويبقى مقترح تجميد مجالس المحافظات اجراءً غير مفهوم، فإلى متى يستمر ذلك؟ وما الغاية منه؟ ومن ينهض بمهماتها في فترة تجميدها؟ خصوصا وان أموالا طائلة موضوعة تحت تصرفها، ومنها ما جرى تخصيصه حديثا في موازنة ٢٠١٩، وقد أعلن عدد من المحافظات استلامه تخصياته وباشر الصرف.
ويبدو ان مقترح التمديد غير واقعي، لاسيما وان المجالس تجاوزت مددها كثيرا. وهنا يُثار العديد من الاسئلة عن دوافع التمديد وغاياته ، فضلا عن مدى توفر السند القانوني لذلك.
حقيقة الامر ان علاج مشاكل مجالس المحافظات لا يختلف عن علاج غيرها من مؤسسات الدولة، وان من الواجب العودة الى الأسباب وليس التوقف عند النتائج فقط. وباختصار ان ما يحصل في المجالس وفِي الحكومات المحلية، ناجم عن تراكم مجموعة من العوامل، ابرز عناوينها هي المحاصصة ، الفساد خاصة السياسي، سوء الادارة ، ضعف الكفاءة ، تغليب المصلحة الخاصة على العامة ، التدخلات الفظة للأحزاب والعشائر والجماعات المسلحة ، قانون الانتخابات غير العادل، وغير ذلك .
ما هو الحل؟ الحل يكمن في اجراء انتخابات مجالس المحافظات، وان تكون هذه الانتخابات مدخلا الى الإصلاح والتغيير المنشودين. ويستلزم هذا ان تهيأ الظروف المناسبة لتكون انتخابات حرة ونزيهة وعلى قدر من الشفافية، وان توفر الفرص المتكافئة للجميع. ومطلوب بالطبع ان يعدل قانون انتخابات مجالس المحافظات بما يضمن ذلك، وان يحقق قدرا من العدالة في احتساب الاصوات، وتحديدا العودة الى سانت ليغو الأصلي، والغاء ما أُلحق به من تشويه، وخفض سن الترشح. كذلك الحزم في تطبيق القانون، خصوصا ما يتعلق بالمال السياسي ودور الجماعات المسلحة، وغير ذلك من الاجراءات الواجبة.

عرض مقالات: