قبل اجتياح "داعش" لثلث الأراضي العراقية عام 2014، حذر الرئيس الأمريكي أوباما الساسة العراقيين، قائلا (إن الذئب على الأبواب) ولم يقرأ المعنيون الرسالة، ولو على طريقة "عبوسي" رغم أنها صدرت من مربي الذئاب أنفسهم. كما لم ينجحوا في تجاوز خلافاتهم العبثية، أو الحد منها في الأقل.
كنا نعيش ذيول الفوضى الدموية التي عصفت بالبلاد في عامي 2006 – 2007، والصراع على أشده، على منصب رئيس الوزراء بين القائمتين الكبيرتين الفائزتين في الانتخابات "النزيهة" وما تلا ذلك من حسم موضوع الكتلة الأكبر بفتوى من المحكمة الاتحادية، ساهمت في إجهاض حلم العراقيين بتشكيل حكومة قوية، تنقذ البلاد من أزمتها الخانقة المتمثلة بشلل المؤسسات التي بنيت على المحاصصة، وتحولت إلى إقطاعيات حزبية، عاجزة عن أداء واجباتها وحماية ناسها.
في الراهن العراقي، تعاد الاسطوانة ذاتها، ويبشر الرئيس "ترامب" والقادة العسكريون والمدنيون الأمريكان باقتراب الذئاب مرة أخرى من أبوابنا، ويتفق معهم كبار المسؤولين العراقيين في العديد من الكتل المتنفذة، بينما يرى العسكريون خلاف ذلك، وان الأمر كله مبالغ فيه لغايات ليست خافية على أحد، وهذا ما أكدته قيادة العمليات المشتركة مؤخرا، وزادت أن الوضع كله تحت السيطرة الكاملة!
في مذكراتها الشهيرة، اعترفت "هيلاري كلنتون" بصراحة نادرة (نحن الذين أوجدنا داعش للحفاظ على مصالحنا الحيوية في الشرق الأوسط). كما أن العمليات الإرهابية التي قام بها الدواعش في صحراء النخيب والثرثار والشرقاط ومكحول والمجموعة الثقافية في الموصل، والجريمة الوحشية بقطع رؤوس (50) امرأة أيزيدية في الباغوز، وغيرها الكثير، تعطي تحذيراً إضافياً لا ينبغي اهماله.
وتأتي هذه التطورات المقلقة على خلفية ضعف الوحدة الوطنية التي يجري الحديث عنها نظرياً، وتفتقر عمليا إلى أي انجاز يعتد به، فلاشيء غير الاجتماعات واللقاءات الزاخرة بتبويس اللحى.
فضلاً عما أشارت إليه وحذرت منه تقارير وزارة الداخلية ونواب الموصل، من أن بعض القيادات الأمنية والحشد، بدأت تزاحم وتطرد أهالي المناطق المحررة من أعمالهم وتحل محلهم، حتى في ساحات وقوف السيارات!
إن "داعش" لم تعد ورقة داخلية وحسب، فقوى متعددة إقليمية ودولية تتلاعب بها، وتحاول الاستفادة منها في تنفيذ أجنداتها، المعادية لمصلحة الشعب العراقي. ولا نأتي بجديد عندما نقول، إن هناك من يريد أن يبقى العراق ضعيفاً وغير فاعل في محيطه الإقليمي، الأمر الذي يجب أن تنتبه إليه الحكومة العراقية بشكل خاص، لاسيما وأنها تمتلك غطاءً سياسياً جيداً، وتحظى عملياً بدعم وإسناد معظم القوى والأحزاب السياسية الفاعلة.
اذن من واجب صناع القرار السياسي، ومسؤوليتهم المباشرة عدم الاستهانة أو الاستخفاف لا بهذه الإرهاصات، ولا بالنشاط الجديد الملفت لـ "داعش" فسياسات التهميش والإهمال، وعدم إنصاف أبناء المحافظات المنكوبة بـ "داعش" أدت في المطاف الأخير إلى اجتياحها بتلك السرعة القياسية، وأدخلت العراق في عنق زجاجة، لم يستطع الخروج منها بصورة نهائية لحد الآن.
لا شك أن الحكومة مطالبة بأن تسرع في إعمار المدن المخربة، وإعادة النازحين واللاجئين وتوفير فرص عمل لشباب هذه المدن والمحافظات، وان لا تتهاون في مكافحة الفكر المتطرف، وتوقف بلا تردد إساءات وتجاوزات من يبحث عن تأمين مصالحه الأنانية الشخصية أو الفئوية على حساب أبنائها، وزيادة معاناتهم الرهيبة أصلاً.

عرض مقالات: