لمجلس النواب وظيفتان اساسيتان لا يعلو عليهما شيء آخر، هما تشريع القوانين لصالح الشعب الذي انتخبهم، والرقابة على تنفيذ تلك القوانين من قبل الحكومة وبقية المؤسسات والدوائر الرسمية، وعلى حسن ادائها بصورة عامة. فهل استطاع مجلس النواب الجديد، اعطاء انطباع ايجابي عن سعيه للنهوض بهاتين الوظيفتين، رغم انه في مستهل دورته وفصله التشريعي الاول؟
الدورات التشريعية السابقة لم تحقق للمواطن العراقي شيئاً يعتد به، ويمكن ان يتذكره، او يشيد به. بل ليس في استطاعته ان يأخذ على محمل الجد، القول المأثور: "اذكروا محاسن موتاكم"، لأن كفة المساوئ كانت مستقرة على الارض لثقلها، وكفة المحاسن معلقة في الهواء، لخفتها وانعدام وزنها، فهل يا ترى سيعيد التاريخ نفسه كمهزلة، ام ان هناك أملاً وإن كان ضعيفاً؟ ام سيجري اختيار طريق ثالث، سداه ولحمته القيام بعمليات تجميل وإجراءات ترقيعية، لا تغني ولا تسمن من جوع؟
في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، كان اخطبوط التزوير وشراء الذمم نشيطاً، وفي حركة دائبة، لا تقل سرعة عن سرقة المال العام. وعلى الضفة الاخرى كانت المقاطعة هي السائدة، لأن جسور الثقة بين الناخبين والمنتخبين تهدمت، ولاذَ الامل لدى الكثيرين بالفرار، بعد ان جرّبَ الناخبون محاولات اصلاحها، او وُعدوا باصلاحها وبنائها من جديد، فكانت هشيماً تذروه الرياح.
إلا ان الشعب العراقي، ولا سيما قوى التنوير والحداثة وحَمَلةَ الوعي وان كان جنينياً، لا يدعون اليأس والاحباط ينال منهم، او ان يظهروا بمظهر العاجز، الذي يستسلم للأمر الواقع بكل مآسيه وسوداويته وضياعه، فاستمر الحراك الجماهيري، وهو يعتلي صهوة الاصلاح والتغيير، الذي طالبت به الجماهير الغفيرة، وما زال مطلبها الاساس منذ ثلاث سنوات وأكثر. كما انطلقت هبة تموز الجماهيرية من البصرة الباسلة لتمتد الى المحافظات والمدن الاخرى، رافضة اسلوب التخدير والوعود الكاذبة، ومؤكدة ان القادم سيكون اعظم، وأكثر جذرية، اذا لم يستجب المتنفذون لمطالبها المشروعة.
هنا يأتي دور البرلمان الذي يفترض ان يمثل ارادة الشعب، بل يتضاعف. وعليه بالتالي ان يملأ الهوة السحيقة بين الدولة والمواطن، خاصة وان سبعين بالمائة من اعضائه السابقين، قد تغيروا بوجوه جديدة، ما يعيد بارقة الأمل، وإن كانت ضعيفة وتعصف بها رياح المحاصصة والمصالح الحزبية والشخصية الانانية، فضلا عن الرياح القادمة من وراء الحدود.
منذ انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد في 3 أيلول الماضي وحتى الآن، وهو يفتقر الى وجهة محددة فيما يخص القوانين والتشريعات الجديدة، او تلك التي يراد اعادة النظر فيها، والحكومة من جانبها ارسلت اليه مؤخراً (13) مسودة قانون.
واذا اضفنا التجاوز على الديمقراطية والنظام الداخلي للمجلس، في طريقة احتساب وَعَدّ الاصوات المؤيدة او الموافقة على ما يطرح للتصويت، بالاعتماد على قوة نظر رئيس المجلس، والتي لا يشك احد في انها ستة على ستة! الا انها طريقة بائسة وتفتقر الى النزاهة والموضوعية، الامر الذي يعزز الشكوك في أن يكون مجلس النواب في دورته الجديدة، الرافعة الاساسية لإصلاح العملية السياسية وانقاذ ما يمكن انقاذه.
فهل ينتبه او يستيقظ "ممثلو الشعب" ويحققوا شيئا من طموحات من انتخبهم، وأوصلهم الى قبة البرلمان؟

عرض مقالات: