تعتبر الصناعة التحويلية في العراق كما في اي بلد آخر الاساس المادي في عملية التنمية الاقتصادية والتنمية الصناعية بمعناها الشامل لدورهما في تكوين الناتج المحلي الاجمالي بل واعطاء الصناعة الوطنية بكل مخرجاتها القدرة لمواجهة السلع والبضائع المستوردة المدعومة بالسياسات التي تمارسها بعض البلدان على مسمع ومرأى من الحكومات التي تعاقبت على السلطة بعد عام 2003.
ولكن القبول بانهيار البنى الصناعية لم يأت عن جهل من وزارات الاختصاص ورغبة الحكومات فقط وانما تأتى ايضا من نهج فكري ايديولوجي يقول بالتحول من النظام المركزي الى ما اسموه بالاقتصاد الحر بكل سوءاته التي بانت خلال السنوات الماضية واعتبروه خيرا مطلقا بالرغم من الفشل الذي رافق هذه السياسات وخصوصا انهيار القاعدة التحتية للاقتصاد الوطني والتشبث بالاقتصاد الريعي الذي بات التوجه الارأس لاهتمام الحكومات المتعاقبة الذي انتج لنا مجتمعا استهلاكيا وطبقات طفيلية نهابة تؤازرها بيروقراطية حكومية مشبعة بالفساد في معادلة تبادل المتنفذون ادوارها فيما بينهم لتخريب الصناعة الوطنية.
على اننا ونحن نبحث في اشكالية الصناعة التحويلية وآليات تدميرها، علينا ان لا نهمل العوامل الاخرى المؤثرة عليها بصورة مباشرة ومنها تدهور القطاع الصناعي الحكومي الذي انتعش طيلة فترة السبعينيات من القرن الماضي والذي كان له دور ريادي في عملية التصنيع وارتفاع معدلات النمو في تلك الفترة بالاضافة الى تقادم ادوات الصناعة وخطوطها الانتاجية وعدم تحديثها بالاستفادة من التطورات التكنولوجية عالميا زائدا اشكالية التمويل وربما يكون السبب الاهم في تعطيل عملية الاستثمار ارتباطا بضعف الجهاز المصرفي سواء الحكومي او الاهلي الناجم عن سوء الادارة الصناعية والادارة المصرفية. ان كل ذلك اسفر عن ضعف مساهمة الصناعة.
ان مخرجات السياسة الليبرالية الجديدة بتحرير منفلت للتجارة الخارجية وتدعيم هذا الانفلات من خلال حرية انتقال رؤوس الاموال والتدفقات المالية الى الخارج ومن خلالهما ما قادت اليه في نهاية المطاف من وصول حجم الانفاق على الاستيراد في القطاع الخاص الى 278 مليار دولار، نصفه لتهريب العملة، للفترة من عام 2003 – 2013 الذي يفوق كثيرا حاجة السوق وبلوغ حجم الاستيرادات الحكومية 98 مليار دولار، مقابل ضعف الاجراءات الحمائية وعدم تنفيذ المقرر منها رسميا ولو تمثلت سياساتنا برشاد الحكمة وخصص عشر معشار هذا المبلغ لاغراض تنمية الصناعة الوطنية لوصلت مع مجمل القطاعات الاقتصادية الى المستوى الذي يلبي حاجة السوق العراقية ويحقق الاكتفاء الذاتي، لهذا فان 70 في المائة من العوائد النفطية تعود بهذا الشكل او ذاك الى الخارج لاستيراد بضائع استهلاكية غير ذات جدوى اقتصادية.
ان بعث الحياة في الصناعة التحويلية لا يتم من خلال برامج حكومية عامة تفتقر الى الملموسية وانما من خلال استرتيجية واضحة الاهداف والآليات تربط بشكل تكاملي بين القطاعين العام والخاص بحيث لا تترك مجالا لمحاولات الالتفاف وفرض قرارات مجتزأة تختزل باجراءات ترقيعية هدفها الالتفاف على التخصيصات المالية في عمليات سرقة وهدر للمال العام كما حصل في السنوات السابقة. ونقترح من بين امور عديدة ما يلي:
1.
اعادة تأهيل الشركات والمصانع الحكومية المربحة وادخال التكنولوجيا في العملية الانتاجية والسعي الجاد لتوطينها وتطوير مهارات العاملين ورفع مستواهم المعيشي واشراك المنظمات النقابية في التخطيط وادارة المنشآت الصناعية.
2.
وضع الخطط لدعم القطاع الخاص ووضع الحلول العملية لحل اشكاليات التمويل بشروط ميسرة وإعفائه من الرسوم الكمركية في حال استيراد المكائن وادوات الانتاج الضرورية وتقديم اشكال الدعم كافة.
3.
تفعيل الاجراءات الحمائية للمنتج الوطني وتفعيل القرارات والاوامر الصادرة من الامانة العامة لمجلس الوزراء ورفع شعار صنع في العراق لكي تأخذ المنشآت الصناعية دورها في سد الطلب المحلي وزيادة مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي.
4.
اعادة النظر في السياستين المالية والنقدية ليؤديا دورهما في عملية التنمية وحل اشكالية الاقراض الذي بادر اليه البنك المركزي ولم يجد طريقه الى التنفيذ.

عرض مقالات: