حقا ما كان يفترض ان يحصل هذا التأخير في استكمال التشكيلية الوزارية، خصوصا وان الكتل السياسية التي تملك الحصة الأكبر من مقاعد مجلس النواب قد دعمت رئيس الوزراء، ومنها من تنازل له عن "حصته الانتخابية" وخوله اختيار وزراء لاشغالها، وهو ما اكده السيد عادل عبد المهدي في كلمة الاستيزار.
اضافة الى هذا حصلت تفاهمات معينة بين قوتين برلمانيتين كبيرتين هما سائرون والفتح، توافقا بموجبها على ان الشعب هو الكتلة الأكبر. كذلك حظي ترشيح عبد المهدي بقبول ملحوظ، اقليميا ودوليا.
هذه العوامل مجتمعة وغيرها جعلت أعدادا واسعة من الناس تتطلع بأمل الى الحكومة الجديدة وما ينتظرها من مهام عديدة، وبرغبة كبيرة في ان تكون حكومة انتقالية حقا، تشكل مدخلا لتجاوز نهج المحاصصة في إدارة الدولة، الذي ساد طيلة ١٥ عاما.
وساعد على تشكيل هذا الموقف المتفائل ما رافق اختيار رئيسي مجلس النواب والجمهورية من ارهاصات، وما سبقه من اصطفافات للقوى والكتل السياسية، وإعلان عن اصرار على القطيعة مع الماضي، وفتح صفحة جديدة في العلاقة مع المواطنين وتلبية رغباتهم وحاجاتهم، وفِي إدارة الدولة على وفق منهج جديد يتجه نحو تفعيل مبدأ المواطنة. هكذا قيل وهكذا أعلن، بل ان هناك من ذهب أبعد وقدم اعتذاره الى الشعب العراقي، في حين اعلن آخرون انهم هم المسؤولون عن الفشل الحاصل ويتحملون مسؤوليته.
فكيف سارت الامور بعد هذا؟ من الواضح ان الرياح سارت بما لا تشتهي السفن، وجاءت الوزارة دون المتوقع، وبما لا يريده المواطن ويتطلع اليه. كما انها لم تسر وفق ما عملت وأرادت قوى الاصلاح الحية، التي تدرك جيدا عمق الهوة بين الأقوال والأفعال لدى عدد غير قليل من الكتل والأحزاب، استنادا الى تجارب ملموسة.
وبقي السؤال كبيرا بشأن مدى قدرة الاصطفافات السياسية الجديدة، ان تكون حقا كتلة سياسية لها برنامجها الواضح وان يكون هو اساس تلاقيها واتفاقها، وليس التسابق على تصنيع " الكتلة الأكبر"، هذا المفهوم والتفسير اللذين ابتلينا بهما؟! وهو ما أشرته بقوة ووضوح احداث وتصريحات الأيام الاخيرة.
ويتوجب القول ان كل المؤشرات حتى اللحظة تظهر ان العديد من القوى ما زال مشدودا الى الماضي بقوة، رغم الاهتزازات الارتدادية الخفيفة، وانها هي من يتحمل أساسا عدم تحويل الإرهاصات التي احدثتها العوامل الإيجابية المؤشرة أعلاه، على محدوديتها، الى إمكانية واقعية يمكن التأسيس عليها لبدء عملية اصلاح حقيقية.
على ان هذه الإرهاصات، وما سبقها من تراكمات إيجابية، لن تذهب سدى، ولن تضيع او يغطيها الدخان الكثيف المنطلق هذه الأيام من القصف المدفعي الثقيل المتبادل بين مختلف الأطراف السياسية، هروبا الى امام من استحقاق الإجابة عن أسئلة حارقة مثل: من المسؤول حقا عن تأخير تشكيل الحكومة؟ وعن تسرب اسماء غير مقبولة اليها؟ ومن الذي يضع العصي في عجلة عملية التغيير المطلوبة والملحة؟
فِي جميع الأحوال لا بد من القول ان استكمال تشكيل الحكومة، وهو أمر مطلوب دون جدال، لا يمكن ان يجري من دون اَي اعتبار ومعيار، فهو ليس هدفا بحد ذاته، ليس هو المبتغى والمرتجى، بل الامر يتعلق بما ينتظر الحكومة الجديدة من عمل واسع متعدد الجوانب. وقبله ان يطمئن المواطن الى ان تغييرا يحصل وانه يسير في اتجاه تلبية ما يريده هو ويتطلع اليه.
فالمواطنون الذين خرجوا الى سوح الاحتجاج والتظاهر، لم يفعلوا ذلك كي يأتي هذا الوزير او ذاك، او كي تتشبث هذه الكتلة او تلك بهذا المنصب او غيره.
وهنا يفترض ان الجميع قد استوعبوا الدرس جيدا. فما حصل في البصرة في تموز الماضي يمكن ان يتكرر فيها او في غيرها من مدن ومحافظات بلدنا، وقبل هذا ما حملته انتخابات ٢٠١٨ النيابية من عبر ودلالات بالغة الأهمية. فالناس أعياها الانتظار وعسل الوعود، وهي تنتظر فعلا ملموسا يعوضها عن بعض ما فات.

عرض مقالات: