قديما قالوا عن السفر أنه الشيء الوحيد الذي تنفق عليه مالك لتزداد غنى، وهكذا، استمعت لنصيحة صديقي الصدوق أبو سكينة، واحتفالا بعيد زواجنا العشرين، أخذت شريكة حياتي في رحلة الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط في تركيا، وقضينا بعدها أياما في إسطنبول، كانت مترعة بالمحبة والاكتشافات وعدنا أكثر نشاطا لعملنا وحياتنا.
كنت أعرف أن أبو سكينة ينتظرني بفارغ الصبر للاستماع الى حكايات جديدة، فهو كرر أمامي مرارا ايمانه بكون السفر طريقة للتعلم واكتساب الحكمة، من خلال الاطلاع على حياة الشعوب وثقافتها، وكنت اعرف انه وأبو جليل ينتظران فصلا خاصا من الحديث عن أيامي عند البحر، وخصوصا ما يسميانه وهما يتغامزان: "رياضة العيون"!
وإذ كانت زوجتي مشغولة مع ام سكينة وزوجة جليل يتحدثن عن المطبخ التركي الذي بدت آثاره جليّة على قوامي، فان جليل كعادته كان الوضع السياسي همّه الأول:
ـ قلت إنك لاحظت المظاهر الأمنية والعسكرية في كل مكان، وأن مرور موكب مسؤول كاد ان يفوت عليكم طائرتكم، فماذا تتوقع من حكومات لا تثق بشعوبها؟
ضحك أبو جليل وصاح: اريد اعرف أمك فطمتك على شنو؟ حبلك السري وين دفنته.. بمجلس النواب؟ ارجوك وليدي عوف السياسة هاي المرة، اريد أعرف شنو هاي أكلة "علي نازك" اللي ما ينشبع منها؟
لكن جليل واصل سؤالي بروح مشاكسة: وما هي الأشياء التي لفتت أكثر انتباهك؟
من مكانها بادرت زوجتي للرد: اشياء كثيرة لفتت انتباهنا، بالنسبة لي كان تطور قطاع السياحة وكيف ان هذا البلد، وكما لاحظنا، لديه أماكن اثرية محدودة، وحتى متواضعة قياسا بآثار بلدنا، لكنه نجح في استثمارها بحيث ان آلاف إن لم يكن ملايين الناس تعمل في هذا القطاع الحيوي وتوفر دخلا لعوائلها ولبلدها.
وواصل جليل موجها سؤاله لي: وماذا عنك؟
فأردت بدوري مشاكسة جليل وابعاد الحديث عن أجواء السياسة فقلت: بصراحة اثار انتباهي كثرة القطط السائبة في شوارع إسطنبول، التي تبدو مسالمة واليفة للجميع، والأكثر من هذا تعامل الناس الودي معها بشكل ظننت معه ان للأمر ابعادا دينية او اعتقادات شعبية.
من محله ضحك أبو سكينة وقال: أي أركيدشم ( يا صديقي) بس لا فكرت تجلب معك "عتوي" هدية لجليل، ونسيت ان لدينا قطط وعتاوي مالية البلد، ويجوز الفرق بينا وبين الاتراك ان عتاوينا وقططنا ميزاتها خاصة وتشتغل بالسياسة وبعضها رشح نفسه لمناصب سيادية!