كثرت هذه الأيام الاحاديث عن حالات التجاوز على الارصفة والساحات العامة من قبل اصحاب الجنابر والبسطيات، في الوقت الذي فشلت فيه جميع الاجراءات التي اتخذتها الدوائر المعنية لمعالجة هذه الظاهرة، والتي تمت بشكل تعسفي من دون الرجوع الى أصول المشكلة واسبابها الحقيقية. فالتجاوزات جاءت على إثر سوء التخطيط الاقتصادي والاداري والسكاني، وغيرها من الاسباب الاخرى التي أدت الى تفشي البطالة، واضطرار العاطلين عن العمل إلى البحث عن سبل غير مشروعة لتوفير لقمة العيش.
وتعتبر مشكلة اهمال الصناعة المحلية بقطاعيها العام والخاص، واغراق الاسواق المحلية بالسلع المستوردة، وعدم تقديم اي دعم او حماية للانتاج المحلي، من اهم أسباب تفشي البطالة في البلد، واضطرار الشباب إلى التجاوز على الأماكن العامة بحثا عن الرزق. علاوة على ذلك ان الاهمال المريع الذي طال القرى والارياف، وضعف دعم القطاع الزراعي وحماية المنتجات الزراعية المحلية، كل ذلك أدى إلى تفاقم المشكلة، وتسبب في نزوح أعداد كبيرة من سكان القرى والارياف الى المدن بحثا عن أي فرصة عمل يسدون بها رمق عائلاتهم، والتي غالباً ما تكون امتهان بيع السلع على الارصفة والساحات العامة، الأمر الذي يعرقل حركة المشاة في الشوارع، ويزيد من الاختناقات المرورية.
إلا ان عملية رفع تلك التجاوزات بالقوة دون الاخذ بنظر الاعتبار ما ينجم عن ذلك من ردود افعال، تعد علاجا خاطئا ربما تكون تداعياته ونتائجه خطرة. فتفاقم البطالة قد يدفع بالكثيرين من العاطلين عن العمل الى الانحراف والانخراط في عصابات السرقة والجريمة المنظمة او حتى الجماعات الارهابية. لذا يبدو من الضروري جداً ان تكون عملية معالجة مشكلة التجاوزات، من خلال اجراء مزدوج، يتضمن أولا التوجه نحو وضع الحلول المناسبة لمشكلة البطالة من جهة، وتوفير أماكن مخصصة لأصحاب البسطات والجنابر يزاولون فيها أعمالهم، من جهة أخرى. وفي أسوأ الأحوال، وكحل مؤقت، يمكن السماح لهؤلاء الباعة بممارسة اعمالهم على الارصفة والساحات العامة، وفق ضوابط معينة، كأن يخصص لهم قسم من الرصيف، ويترك القسم الآخر للسابلة والمتسوقين، وذلك من خلال وضع إشارات وخطوط تحدد المساحة المسموح بها. وحبذا لو يتم تشكيل لجان شعبية منتخبة من قبل الباعة أنفسهم، لمتابعة العمل، ومنع التجاوزات ومحاسبة المخالفين، بهدف الحفاظ على انسيابية سير المارة، ريثما تضع الجهات الحكومية علاجات نهائية لهذه المشكلة.