إن كل حراك الحزب الشيوعي العراقي وما خطط له من إنتفاضات جماهيرية كانت تحصل بنوازع وطنية عامة، فبرنامجه الزاخر بإرشادات منهجية علمية مورست طيلة عمرة البالغ أربعة وثمانين عاما مشبع بأدلة الفداء والتضحية من أجل تحقيق الوطن الحر والشعب السعيد، شاركت فيها كل مكونات المجتمع العراقي. ولهذا كان نضاله يتخذ أشكالا مختلفة في تحوله الكيفي، عاكسا ما آل اليه نضاله الوطني من تراكمات كمية ضمن مجرى عمره مكنته أن يتخذ أشكالا مختلفة في تحوله الفكري فهو قد تنقل ما بين طابعها الكيفي السياسي أو الإجتماعي، تخللهما نوع من الكيفية العنفية ثوريا. وقد قدم لنا إنجلز عند دراسته للمعارضة الثورية لإقطاعية القرون الوسطى كلها مستخلصا بأن الظروف الزمنية والمكانية كانت تظهر هذه المعارضة حينا في شكل تصوف وحينا في شكل هرطقات سافرة وحينا تتخذ شكل إنتفاضات مسلحة (ماركس _ أنجلز المؤلفات المجلد 8 صفحة 128- 129.
و تواصلا مع ذلك دأب على دراسة معمقة في كيفية زج الجماهير الشعبية في هذا الحراك آخذا بنظر الإعتبار التغيرات الكبرى التي حدثت في مسار التطور العالمي ، في مقدمتها التطورات النوعية والكيفية المتسارعة في تطور الرأسمالية في مرحلة العولمة بالإستناد بما تشبع به من قيم ماركسية نابعة من ما فرضه عليه الصراع الطبقي في العراق ، متخذا من ممارسة الماركسية الأشكال المتعددة لحراك معارضته الثورية ، وبصورة خاصة المتأتية من الإصطفاف الجديد الذي حصل في صفوف البرجوازية الصغيرة ، رابطا إياه بشكل جدلي بين الظروف الزمنية التي صدر بها البيان الشيوعي ( دأب على صياغته ماركس وأنجلز عام 1848 ) مقدما دروس النضال ضد الإقطاع وإستغلال راس المال في شكل كفاح مسلح . ليدلل على كيفية تنوع أشكال الحراك السياسي.
فالكثير من الجوانب الحياتية قد أغناها ماركس وإنجلز بأفكارهما التي لا زالت رائجة ليومنا هذا بل وسريعة الإنتشار بين الشعوب التي تسعى للقضاء على إستغلال الإنسان لأخية الإنسان مع أنها صيغت قبل مائتي عام ، وبهذا ادرك الحراك الجماهيري الشعبي العراقي ، أنه لو بقي مرهونا ومتعلقا أو منحازا لجموده العقائدي ، والقوى الأخرى بإنتمائها المذهبي أو القومي فلن يُدركوا مبررات التحول الكيفي في حراك المجتمع العراقي في هذا الزمان الذي ولد ظروفا ذاتية وموضوعية ، غير ما كانت تعيش حواضنها سابقا ، ولبقوا معزولين عن ما تحدده طبيعة الظروف الملموسة في الواقع الملموس ، التي أضحت مؤهلة وناضجة لإحداث تحولات كيفية مختلفة الأشكال فهي في وقت واحد إستطاعت تجميع ظروف معينة لتحولات سياسية وإجتماعية وفكرية معا، تعوض وتستغني عن أشكال العنف الثوري كما كتب المفكر الماركسي حسين مروة في النزاعات المادية في العالم الإسلامي ج1ص 836.
لذا لا ينبغي أستغراب البعض من تحالف حزبنا مع قوة أسلامية وقوى مدنية فالغالبية العظمى من قواعد تلك القوى تتقاسم مع قواعد الحزب نفس الظروف الحياتية بالإضافة إلى كونها تنتمي لسلالة اليساريين والشيوعيين والقاسميين، لكن الظروف جعلتهم يلجأؤون الى الدين ويتخندقون في المذهبية بعد أن يئسوا من القوى العلمانية لخلاصهم من الإستغلال والظلم والتهميش ونهب خيرات البلد من قبل حفنة من قادة نظام المحاصصة الطائفية، فهم من قام بتأييد حركة حسن سريع وثورة تموز التي تمر ذكراهما هذا الشهر. لذا لجأت هذه القوى المستضعفة والمغلوبة على أمرها ، للإنتخابات ودعت لخوضها سيما وإن الظروف الموضوعية والذاتية تطلبت إتباع إسلوب الكيفية السياسية عبر الإنتخابات لمعاقبة وإضعاف القوى المعادية لحراكها ، والتي أرادت تمييع وجهة الصراع الطبقي منها وإخماد تأجيج التناقضات الرئيسية على حساب ما شحذوا من الثانويات وصعدوا من قوة الخطاب الديني والتدخل الخارجي في شؤون البلاد ، وعملوا على إغلاق الكثير من العقول بالتفكير بالإنتخابات كسبيل ديمقراطي يسهم بخلع ثوب الإنعتاق من نهج المحاصصة والفساد والإستغلال والتبعية للعامل الخارجي وتدخله بالشؤون الداخلية للوطن ، فلجأت ( القوى المعادية ) إلى التمسك بمواصلة افكارها وممارساتها وتقاليدها ، وعندما يئست أمام تماسك سائرون ، لجـأت غلى تزوير الإنتخابات ، مما حفز ورسخ القناعة لدى الكثير من مكوناته بضرورة العمل المشترك والنهوض سوية في تعبأة النشاط الجماهيري الشعبي ، ومواصلة العمل من أجل التغيير والإصلاح ، ، والتأكيد على ضرورة خلق وحدة عمل مشترك لخلق مناخ سياسي ملائم لإدارة الكيفية السياسية في إطار العمل الوطني ، وهذا ما دفع بعناصر مكونات سائرون على الحرص عل وحدة إئتلافهم ونقاوة أجندات مشروعهم وصحة وفعالية شعارات الكيفية السياسية ، بالإرتباط مع ضخامة الأهداف والمهمات التي تلبي حاجات فقراء الشعب والمهمشين والمغلوب على أمرهم وهم يرون أن وحدتهم ينبغي أن تكون على درجة من المتانة والقوة بحيث لا تؤمن الصمود والبقاء لإئتلافهم فحسب ، بل وتضمن تعزيزه وتطوره وإنتصاره على قوى البغي والعدوان طالما بقي يحاكي بشكل علمي الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بها الوطن.