
جرت الانتخابات العراقية في 11 نوفمبر 2025 وسط بيئة سياسية وأمنية بالغة التعقيد، تميزت بتداخل العوامل الداخلية والخارجية. يشير العديد من المراقبين إلى أن العملية الانتخابية جرت في ظل تحديات جسيمة، أبرزها استمرار هيمنة نظام المحاصصة الطائفية، والاتهامات الواسعة بانتشار الفساد واستخدام المال العام والسلطة لتحقيق النتائج التي ترجوها، إضافة إلى تأثير القوى المسلحة غير المنضبطة والتدخلات الإقليمية والدولية. ويُضاف إلى هذا كله إطار قانوني غير مطبق للانتخابات والأحزاب، ويُنظر إليه على أنه يُكرس هيمنة الطبقة السياسية القائمة.
أبرز التحديات والمُلاحظات على البيئة الانتخابية:
1. الفساد المؤسسي: لا يزال الفساد يشكل "الإخطبوط" الذي يلف مؤسسات الدولة، حيث يُشار إلى ممارسات مثل شراء الذمم واستغلال النفوذ والمال العام كعوامل حاسمة في تشكيل الخريطة الانتخابية.
2. القانون الانتخابي وقانون الأحزاب: يُعتقد أن القوانين الحالية، بما في ذلك قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، صُممت بطريقة تحافظ على تماسك النخب الحاكمة وتُصَعِّب من دخول قوى سياسية جديدة ومستقلة.
3. السلاح المنفلت والبيئة الأمنية: يشكل وجود مليشيات مسلحة خارج سيطرة الدولة عاملاً ضاغطاً على الحريات السياسية والإرادة الشعبية، مما يقوض نزاهة المنافسة.
4. التدخلات الخارجية: تبقي العراق ساحة لتأثيرات إقليمية ودولية متقاطعة، تنعكس بشكل مباشر على تشكيل التحالفات ونتائج الاقتراع.
السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة:
1. استمرار الجمود وتعزيز الوضع الراهن: وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في حال نجحت القوى التقليدية في تشكيل تحالفات جديدة تُكرس نظام المحاصصة الطائفي البغيض وتوزيع المغانم، مما يعني استمرار الأزمة السياسية والخدمية.
2. صحوة إصلاحية وضغط شعبي: قد تدفع حالة السخط العام وتردي الخدمات إلى خروج احتجاجات شعبية سلمية واسعة، تضغط من أجل إصلاحات حقيقية، ومحاسبة الفاسدين، وإجراء تعديلات دستورية وقانونية جذرية.
3. تفاقم عدم الاستقرار الأمني: في حال فشلت عملية تشكيل الحكومة، أو تصاعد حدة الخلافات بين القوى السياسية، قد يشهد العراق مرحلة جديدة من العنف والصراعات الداخلية.
4. إعادة ترتيب التحالفات بإملاءات إقليمية: قد تؤدي التوافقات الإقليمية بين اللاعبين الرئيسيين إلى إفراز تحالفات وحكومات جديدة، قد لا تعكس بالضرورة إرادة الناخبين، لكنها تحقق قدراً من الاستقرار المؤقت.
مقترحات وآليات للتغيير والإصلاح:
1. تعزيز الشفافية والرقابة: دعم وتمكين الهيئات الرقابية المستقلة، وإلزام الأحزاب بنشر حساباتها المالية ومصادر تمويل حملاتها بشكل علني.
2. يلعب الإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني دوراً محورياً في كشف الفساد ومراقبة الأداء الحكومي وتوعية الرأي العام.
3. المطالبة بإصلاحات قانونية جذرية: الضغط من أجل إقرار قوانين انتخابية جديدة عادلة، وقانون أحزاب يحد من تمويلها غير المشروع، ويضمن فرصاً متكافئة للجميع.
4. إعادة بناء دولة القانون: يجب أن يكون تعزيز سيادة القانون واستقلالية القضاء حجر الزاوية في أي إصلاح، بما في ذلك نزع سلاح الجماعات غير الخاضعة للدولة ومحاسبة المتجاوزين.
5. الحوار الوطني الشامل: الدعوة إلى حوار وطني شامل يضم جميع القوى الخيرة والقوى السياسية والاجتماعية لوضع رؤية مشتركة لمستقبل العراق، تتجاوز المنطق الطائفي والمحاصصاتي.
العراق يقف عند مفترق طرق حاسم بعد انتخابات 2025. بين يدي النخبة الحاكمة خياران: إما الاستمرار في النهج السابق الذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية، أو الاستجابة لإرادة العراقيين في بناء دولة مدنية ديمقراطية تحفظ الكرامة والعدالة للجميع. وسيكون دور الضغط الشعبي السلمي والوعي الجماهيري، مدعوماً برصد دولي وإقليمي إيجابي عاملا حاسماً في تحديد المسار الذي سيسلكه العراق في السنوات القادمة.







