لكنهم ما خسروا وحدهم، خسر الحزب والعلمانيون والمدنيون والديموقراطيون وكل الوطنيون الحقيقيون، وخسر معهم الباحثون عن وطن يشبه أحلامهم، خسرنا جميعا... خسر الوطن حين صفق لسارقيه، خسر الطفل مستقبله حين باع أبوه صوته بكيس طحين، وخسرت الأمهات حين صدّقن أن الحراميّة سيوفرّون لأبناءهنّ ولهنّ حياة كريمة في بلد يطفو على النفط .

 خسر الشيوعيون ...

 وخسر معهم حلم التغيير، ذلك الحلم الذي عاد إلى قبره المظلم، إلى أربعة أعوام عجاف قادمة،

تعادُ فيها المسرحية ذاتها،  بأبطال مختلفين في الوجوه،  ومتشابهين في النوايا، لكنّهم متّحدين ومصمّمين على خراب العراق، وكأنّ بينهم وبين هذا العراق ثأر قديم.

 أيتها الجماهير الفقيرة والمعدمة...

 إلى متى تصوّتون للخراب ولجفاف أنهاركم وموت أرضكم عطشا؟  إلى متى تمنحون اللصوص مفاتيح بيوتكم العشوائية البائسة، ثم تبكون من سرقتها؟ أإلى هذا الحد صار الفقر وسيلة لبيع الكرامة؟ أإلى هذا الحد صارت الخديعة دينا، وصار الوطن صفقة تُقايضُ فيها الخبز بالحرية؟

 يا وطن مبتلى باللصوص والفقر والموت والجهل والتخلّف والضياع، كم مرة سنعيد كتابة الهزيمة؟ كم مرة سنحمل النعوش ذاتها الى نفس المقابر، ونغنّي للنصر الوهمي ذاته، نصر طائفة على طائفة، وقوميّة على قوميّة؟ كأننا لا نتعلّم، كأننا عبيد نعشق السلاسل والسياط، كأننا نخافُ النور أكثر من العتمة!

 خسر الشيوعيون، نعم...

 لكنهم خسروا بشرف، وخسر معهم المقاطعون، الذين بمقاطعتهم منحوا الفاسدين ميداليات "النصر" الزائف، لكنهم تركوا لهم ساحة بلا مقاومة تُذكر. وهكذا تستمر، تستمر العملية السياسية المدمّرة ذاتها، تدور كطاحونة لا ترحم، تسحق الحلم تحت أقدام الطامعين، وتعيد تدوير الوجوه الكالحة ذاتها، بأقنعة جديدة قديمة... وأكاذيب قديمة قدم فكرهم البالي المتخشّب.

 ومع ذلك...لا بُدّ أن نقول الحقيقة كما هي: الحزب نفسه يحمل جزءا ليس بالقليل من الوزر، حين شارك في انتخاباتٍ محسومةٍ سلفًا، دون سلاحٍ في مواجهة قوى فاسدة تتحكّم بالصندوق الأنتخابي، وبالقانون، وبالأصوات، وبالسلاح، وبمصيرِ الناس. دخل  الميدان أعزل، يحمل صدقه في زمن لا يؤمن بالصدق، فكان النقاء وحده لا يكفي للنصر.

 أيتها الرفيقات والرفاق...

 أيها الحالمون بوطن لا يُباع ولا يُشترى... لا تحزنوا، فالخسارة ليست في الأرقام، الخسارة في ضمير نام، في وعيٍ جائعٍ باع صوته ثم بكى من الجوع، في مريض بلا دواء، في طلبة يفترشون الأرض في صفوف دراسية بمدارس طينيّة أو آيلة للسقوط،  وسيبقى العراق، رغم هذا الرماد، ينتظر فجر يولد من بين الركام، ينتظر جيل لا يبيع صوته، لا يبيع مستقبل أجياله القادمة، لا يبيع وطنه، ولا يخاف  من الحلم...

 جيل كجيل وثبات العراق وانتفاضة تشرين يقول: كفى..  كفى موتا، كفى سرقة، كفى كذبا باسم الدين والوطن والمتاجرة بهما، كفى استمرارا لهذه العملية السياسية المدمّرة، كفى دورانا في دوامة الوهم!

 الوطن لا يُشفى بالفساد، ولا تُبنى الدولة على أنقاض الحقيقة.