من يتصور إن المخاطر التي هددت البلاد قد انتهت بمجرد انكفاء المشروع المعادي للعملية السياسية والديمقراطية الذي يتضمن إلغاء الانتخابات و تمديد عمر البرلمان إلا ما لانهاية فهو قاصر من رؤية الهدف الاستراتيجي المعمول به والقوى التي تقف وراء هذا المشروع، لقد كان تمديد عمر البرلمان مصطلح جديد مطلوب على ألسنة البعض من النواب وبخاصة سليم الجبوري رئيس مجلس النواب، وهو مصطلح ينذر بفوضى قد تطيح بالعملية السياسية والكيان العراقي بعد أن ينفذ مخطط سياسة الفراغ الدستوري الذي يقف متربصاً لإنهاء عملية قيام البرلمان الجديد وتشكيل الرئاسات الثلاث ، رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء ليكون حائلاً أمام تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وبه تتعطل المهمات الآنية والمستقبلية الهادفة للاستقرار والتخلص من الفساد ومحاربة الإرهاب وحصر السلاح بيد الدولة وإنعاش القطاع الخاص والمختلط وتعافي الاقتصاد بما يدر نوعياً على الخدمات العامة من تطورات جديدة ويساعد على عافية النقد العراقي وغير ذلك من القضايا التي تخص مصلحة المواطن والوطن.
كل يوم تنكشف ألاعيب البعض من القوى السياسية ونواب خاسرين في انتخابات عام 2018 للعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء، ففي بداية الأمر وفور انتهاء الانتخابات وظهور النتائج تصاعدت الاتهامات بالتزوير وطالبت بإعادة الانتخابات فوراً بدلاً من أتباع الطرق القانونية والدستورية لوضع اليد على المزورين الحقيقيين الذين يختفون خلف الهرج والمرج وهم الأساس في التلاعب والتزوير، وعلى أدوات التزوير ومن خلفها وهذا أمر قانوني لا مناص منه بدلاً من الحديث والكلام غير الدقيق حول سعة رقعة التزوير حتى أنها طالبت بإلغاء انتخابات الخارج والحركة السكانية في المخيمات والنازحين بسبب الحرب ضد داعش الإرهاب، ووضعت المحكمة الاتحادية حداً لمطالبات إلغاء الانتخابات بما فيها انتخابات الخارج كما كان قرارها بالعد والفرز اليدوي على الرغم من البعض من الشمولية أي بالمعنى هناك آلاف الصناديق التي لا تثريب عليها وخارجة من شبهات التزوير، وقرار المحكمة في إعادة العد والفرز يدوياً في المراكز الانتخابية التي خصتها الشكاوى والاتهام بالتزوير دون غيرها وهذا ما حصل بقرار الاتحادية مثلما فعل كذلك في انتخابات الخارج للتدقيق في المراكز التي طالها الاتهام، ومع ذلك فنحن نعتبر التدقيق وشموليته جاء لصالح الديمقراطية والشفافية بشرط عدم إطالة الوقت لأهداف تضلل الرأي العام وأن لا يعود الفساد والتزوير من طريق آخر أي " الخروج من الباب والعودة من الشباك " بزي جديد لكنه يحمل جوهر التزوير ويستغل قرار المحكمة الاتحادية، لهذا على المعنيين بالأمر من القانونيين والمسؤولين عن النزاهة المراقبة والتدقيق وفحص الإجراءات التي اتخذت فيما يخص سير عملية العد اليدوي والأدوات والآليات التي ستكون مسؤولة أمام الدستور والقانون وأمام أعين المواطنين والعالم اجمع.، ونلاحظ بعد تفويت الفرصة على إلغاء الانتخابات والشروع والتحضير لانتخابات جديدة فقد انتقلت المساعي الخبيثة بشكل آخر لكي يجري إفراغ الانتخابات من حقها القانوني والدستوري بالمطالبة في تمديد عمر مجلس النواب تحدياً للدستور، فارضين الأمر من خلال تعطيل الفرز والعد اليدوي وجعل البلاد في فراغ دستور عواقبه أكثر من وخيمة، وقد يكون رئيس مجلس النواب سليم الجبوري باعتباره رئيساً للسلطة التشريعية السابقة " البرلمان " في مقدمة الداعين إلى تمديد عمر البرلمان، وأعلن يوم الخميس 28 / 6 / 21018 عن رأيه بشكل صريح في مؤتمر صحفي عقده في مبنى مجلس النواب.. " إن الدستور العراقي نصّ في إحدى مواده بأن يستمر البرلمان لأربع سنوات تقويمية " وهو يأمل من العد والفرز اليدوي أن يساعد على استمرار عمر البرلمان لأربع سنوات تقويمية ( وقد يطالب بأربع أخرى والى ما لا نهاية!!) ويوعز عدالة ذلك إلى المادة ( 56 ) من الدستور، طبعاً هو يراهن على العد والفرز اليدوي قد يكون المنقذ على بقائهم في البرلمان إلى ما لانهاية التاريخ، إلا أن رأي القانونيين العراقيين يخالف هذا التوجه لمد عمر البرلمان وكذلك جمهرة من النواب والكتل السياسية كبيرها وصغيرها تقريباً، فقد ردت مثلاً نجيبة نجيب عضو مجلس النواب في اليوم نفسه في حديثها إلى " وطن نيوز " قائلةً أن " تمديد عمر البرلمان بعد انتهاء عمره القانوني نهاية الشهر الجاري يمثل انقلابا على الدستور ويفقده قيمته الكلية" وأعلنت معارضتهم ورفضهم هذه الخطوة باعتبارها تخالف النظام الاتحادي الفيدرالي، هذا الرأي مدعوم تقريباً من قبل المحكمة الاتحادية حيث طعنت بعدم دستورية تمديد عمر البرلمان واعتبرته مخالفاً للدستور لأن التفسيرات المعارضة تكاد تصب في مجري ليس إلغاء الانتخابات في الخارج فحسب بل حتى في داخل الوطن " لا يجوز لأية جهة تخطي هذه المدة الدستورية من الدورة النيابية لمجلس النواب لان تخطيها يعني تخطي إرادة الشعب" كما أن رأي محمد رشك عضو الأمانة العامة لحزب الاستقامة ينصب في مجرى الرفض للتمديد واعتبره لعبة من " الخاسرين للبقاء بالسلطة " ولقد رفضت الفكرة التي طرحت من قبل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي كمشروع " للتمديد " لأنهُ يخلط الأوراق ما بين تعديل قانون الانتخابات والفرز اليدوي واستراتيجية إلغاء الانتخابات في نهاية المطاف، لكن المشروع رفض من قبل جهات سياسية وقانونية عديدة لأنه يوفر أرضية لاستمرار أزمة تشكيل الحكومة والرئاسات الأخرى، وقد يكون استمرار عمل البرلمان هدف إدخال العراق في نفق من المشاكل والأزمات السياسية كي يتم إلغاء الانتخابات والنتائج من خلال تمديد عمر مجلس النواب وهو هدف الخاسرين.
ولا بد من الإشارة أن البرلمان اخفق بعقد جلسة استثنائية يوم الخميس 28 / 6 / 2018 للتصويت على تعديل قانون الانتخابات الذي يهدف بالأساس على تمديد عمر البرلمان الذي ستنتهي دورة عمره في يوم السبت 30 / 6 / 2018 ولهذا جدد البرلمان دعوته لعقد جلسة يوم السبت مع العلم إن اللجنة القانونية النيابية رفعت المادة التي تتعلق بالتمديد، والآمال التي كانت تعقد على آخر جلسة للبرلمان يوم السبت 30 / 6 / 2018 باءت بالفشل حول التمديد بحضور 126 وبرئاسة الدكتور همام حمودي النائب الأول وقد أعلن عن إنهاء الدورة الانتخابية الثالثة، وأصبح العراق منذ بداية نهاية الدورة الانتخابية الثالثة على أبواب الفراغ الدستوري ، إلا أن الخطر ما زال يحدق إذا لم ينجز الفرز والعد اليدوي بالسرعة اللازمة وهذه العملية قد تتعرض للتسويف والمماطلة لأهداف معروفة
1 ــــ المماطلة في عملية الفرز والعد اليدوي ليتسنى عدم دعوة البرلمان الجديد للانعقاد، ثم تكليف الحكومة بقيادة حيدر العبادي بتسيير أعمالها لحين الانتهاء وقد تمتد إلى مدد طويلة لا نعرف متى تنتهي
2 ـــــ سوف تجري العودة إلى " الأغنية القديمة الجديدة !" بإلغاء الانتخابات بشكل كامل واعتماد دعوة لجنة تقصي الحقائق في البرلمان، فقد ذكر عادل نوري رئيس اللجنة في الجلسة الاستثنائية التداولية وبحضور " الغد بريس " أن اللجنة طالبت بشكل رسمي إلغاء نتائج الانتخابات النيابية بشكل كامل لما جاءت فيها من خروقات كبيرة وشبهات فساد"
3 ــــ إن دخول العراق في فراغ تشريعي لأول مرة منذ الاحتلال والسقوط بالمعنى الوضعي " الفراغ الدستوري " يعد اشد خطراً على مستقبل العملية السياسية والمشروع الوطني الديمقراطي لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وتناقل السلطة سلمياً وهذا الهدف تسعى له قوى سياسية عديدة وبدعم خارجي معروف معادي للعراق
4 ــــ يجب أن تنتهي عملية الفرز والعد اليدوي بالسرعة الممكنة التي ستساعد في استكمال مهمات السلطات الثلاثة بدون تأخير، ولسنا بعيدين عن سيناريو تحرك عسكري متفق عليه بقصد الهيمنة على السلطة وإلغاء المؤسسات الدستورية والتشريعية بحجة حماية البلاد والمواطنين من مخاطر الاقتتال الداخلي والحرب الداخلية .
5 ـــــ من هم المزورين والى أي جهة ينتمون ؟ في جميع الانتخابات التي جرت كانت الشكاوى تقدم وتتحدث عن التلاعب والتزوير، والاتهام بدون أسماء أو جهات لكن لا فائدة بمجرد أن يمر الوقت ينسي ليس المواطن فحسب بل من قدم الشكوى والاعتراض ، واليوم تظهر الحالة نفسها والجميع يصرخ الله اكبر على التزوير والتلاعب فمن هم المزورين؟ هل هم مجموعة جاءت من الفضاء الخارجي..؟ يجب أن تكشف الأسماء والجهات وتقدم للقضاء العادل، كفى خداعاً وضحكاً على ذقون الأبرياء .
في يوم السبت 30/6/2018 انتهى عمل البرلمان ونحن على أعتاب اضطراب سياسي مختلف عليه، لكننا نلاحظ أن عمليات الفساد ما زالت تطل برأسها وقد ساهمت في تدمير البلاد ومنها اعتماد التزوير والتلاعب وسرقة المال العام وتشجيع عمليات عدم الاستقرار وخلق حالة من عدم الثقة بين المكونات والأطراف السياسية تتوجه إلى مرحلة قد تكون اخطر من المراحل السابقة بما فيها مرحلة الإرهاب وداعش والقاعدة والميليشيات الطائفية والمافيا المنظمة والتدخل الخارجي في شؤون البلاد، ولهذا تقع على عاتق كل القوى الوطنية الشريفة مهمة أنجاز مهمة الفرز والعد اليدوي بأسرع ما يمكن لسد الطريق أمام قوى الردة الظلامية التي تريد إيقاف عجلة التقدم نحو البناء الوطني الديمقراطي وإنقاذ العراق وشعبه من استمرار الدمار والخراب ومنع التدخل في شؤونه الداخلية لبناء البلاد وإنجاز المهمات الوطنية بتحقيق المساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية