على الرغم من كثرة القمم العربية والتّي عقد أوّلها في القاهرة عام 1946، الّا أنّها ولليوم لم تستطع أن تغيّر من الواقع العربي شيئا، بل على العكس فالدول العربية وحتى بعد انتهاء مرحلة التحرر الوطني وقيام دول ودويلات عربية، بقيت عاجزة عن بناء علاقات طبيعية بين بلدانها رغم الشراكة في اللغة والدين الذي رسم ويرسم نمطا اجتماعيا متشابها إلى حدود بعيدة فيما بينها. إنّ غياب التغيير الأيجابي في الواقع العربي المعاصر والذي ورث كل خيبات الشعوب العربية نتيجة غياب الديموقراطية وانعدام الحريّات وأتسّاع الفجوة بين الفقراء والأغنياء نتيجة التفاوت في توزيع الثروات، أدّت وتؤدّي إلى هذا الارتباك في العقل العربي ناهيك عن الفوضى في العلاقات العربية العربية.
أثناء الحرب الباردة كانت مؤتمرات القمّم العربيّة تنقسم في مواقفها بين معسكرين، أولّهما كان يقوده المال الخليجي بإتجّاه المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدّة الأمريكية، والثانية تقوده بلدان ذات أنظمة قوميّة "ثوريّة" تميل لحدود معيّنة إلى المعسكر الشرقي بقيادة الأتحاد السوفيتي السابق ، وكان القاسم المشترك في جميع القمم هي القضية الفلسطينية، وهذه القضّية عانت الأمرّين من المعسكرين العربيين وتحولّت إلى أداة لقمع حركة التحرر الوطني الفلسطينية نفسها من جهة، و ترسيخ سلطة الأنظمة العربية غير الديموقراطيّة من جهة أخرى. وبسبب شعارات هذه الأنظمة تخلّفت الشعوب العربية عن ركب الحضارة التي تجاوزت هذه الشعوب التي لازالت تعيش في ماضيها، في حين وصلت شعوب العالم إلى الثورة الرقمية ولتصل اليوم إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي، بعد أن ساهمت الديموقراطية في تعزيز دور الفرد في تلك المجتمعات نتيجة العدالة الأجتماعية وإشاعة الحريات وتحجيم مساحة الفساد.
قمّة بغداد اليوم لا تختلف عن سابقاتها بالنتائج التي ستتمخض عنها، بل على العكس فأنّ القمّة هذه هي من أسوأ القمم من حيث التوقيت في عالم يشهد صراعات سياسية وحروب أقتصادية ومنافسة شرسة في مجال العلوم والتكنولوجيا. فالقمّة تُعقد والعرب في أضعف حالاتهم، حيث تمزّقت ليبيا والسودان واليمن، وشبح الإرهاب الإسلامي الذي يهدد سوريا والعراق والأردن ولبنان ومصر. قمّة تُعقد وأمريكا تفرض على العرب تطبيع علاقاتها مع حليفتها أسرائيل من خلال اتفاقات إبراهام التي ستنضم لها جميع البلدان العربية بلا أستثناء مستقبلا، وما زيارة الرئيس الأمريكي لثلاثة من البلدان الخليجية النفطية في نفس توقيت القمّة الّا رسالة للأنظمة العربية من خلال هذه البلدان وتصريحات ترامب حول مستقبل غزّة، من أنّ القضيّة الفلسطينية والتي كانت تحتل مساحة واسعة من بيانات القمم العربية السابقة، ستتحول رغم عقود من النضال التحرري وقوافل من الشهداء ومنهم شهداء غزّة إلى متحف التاريخ كما رحل الفكر القومي العروبي ومثقفوه قبلها إلى نفس المتحف.
كان على حكومة المحاصصة الطائفية القومية أن تقرأ الواقع السياسي العربي والأقليمي والدولي بشكل جيد قبل أن تستضيف هذه القمّة التي كانت بوادر فشلها واضحة للعيان قبل انعقادها، وقبل أن تخصص ميزانيات ضخمة من اجل أستضافتها، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمات فشلت حكومات ما بعد الأحتلال من أيجاد حلول لها لليوم. بغداد ليست بحاجة إلى تنظيم مؤتمر قمّة عربي سيغيب عن بيانه الختامي اللاءات العربية " المقدّسة" الثلاثة (لا صلح ولا تفاوض ولا أعتراف بأسرائيل). بل نحن كعراقيين بحاجة إلى قمّة عراقية عراقية لنضع على طاولة نقاشها كل ما مرّ على شعبنا ووطننا من ويلات منذ الأحتلال الأمريكي لبلادنا ولليوم، قمّة عراقية نشرّح على طاولتها العراق الميت سريريا بسبب سوء استخدام السلطة من قبل سلطة محاصصة لا تعرف الا نهب ثروات البلاد وترسيخ الطائفية والقومية كنهج للحكم، قمّة تبحث عن حلول من خلال مشاركة جميع التيارات السياسية والحركات الاجتماعية، لأزمات الأنسان العراقي الذي يدق بقوّة على أبواب التخلّف والجهل وكأنّهما بابان من أبواب الجنان.