على مدى أكثر من عام ما فتئت آلة حرب الإبادة والتدمير المنهجي الإسرائيلية العنصرية بحق أهالي قطاع غزة ماضية قُدماً بشكل يومي أمام مرأى ومسمع العالم الغربي" المتحضر" ودون أن تستطيع أي قوة في العالم وقفها، لا بل يجري ذلك بمباركة وتواطؤ قوى الإمبريالية العالمية، على رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين الكبار، وكل ذلك يوفر أفضل غطاء لمجرمي حرب الإبادة الصهيونية بقيادة نتنياهو لتصعيد جرائمهم يوماً بعد يوم بمعدلات وحشية أعظم دون أدنى مبالاة. وإذ تكاد تتركز أنظار الرأي العالمي على شكل واحد من صور حرب الإبادة، تتمثل في عمليات نسف البيوت وإجبار سكانها على التهجير ثم قصف وإبادة المهجرين في أماكن الإيواء التي يزعم مجرمو الحرب بأنها آمنة كذباً، فإن أشكال هذه الإبادة تتعدد، منها على سبيل المثال، لا الحصر:
1-القصف المنهجي لمستشفيات القطاع مرات ومرات، بغية تفويت أي فرصة للمصابين من النجاة من المحرقة الصهيونية، لا سيما ذوو الإصابات الخطرة والبليغة.
2 - عرقلة إدخال قوافل الإمدادات الغذائية والعلاجية منذ ما يزيد عن سنة على بدء حرب الإبادة.
3-أما الشكل الثالث من أشكال حرب الإبادة الذي لم يسبق لأي جهة تناولته، فهو يتمثل في ترك العالقين تحت أنقاض المساكن والبنايات يلقون حتفهم، وجلهم من الأطفال والنساء، ما يستوجب إجبار سلطات الاحتلال على إدخال آلات حديثة تزيل الركام سريعاً، للحيلولة دون تعرضهم أكثرهم للهلاك بمضي الوقت. إن توفير هذه الآلات يُعد حقاً إنسانياً مشروعاً ينبغي تشريعه دولياً بالسرعة القصوى، مع توفير أداة تشريعية ذات آلية ترغم الاحتلال على الرضوخ لهذا الحق.
أما آخر ما تفتقت عنه عقلية الحقد العنصري الصهيوني الأعمى تجاه الشعب الفلسطيني، فهو التخطيط لشكل آخر مستقبلي لإبادة جزء كبير من هذا الشعب إبادة بطيئة تبدأ مع اليوم التالي لوقف الحرب الحالية، وهذا هو بالضبط مرامي قرار برلمان اليمين العنصري الإسرائيلي بحظر وكالة غوث اللاجئين" الأونروا". وإذا ما تذكرنا الأهمية الفائقة لخدمات الأونروا في حياة أجيال متعاقبة من اللاجئين الفلسطينيين على مدى ثلاثة أرباع القرن منذ إنشائها بقرار أُممي في 1949 غداة النكبة، لأدركنا خطورة هذا القرار الفاشي العنصري الصهيوني، وذلك تحت وهم إمكانية القضاء على مشكلة اللاجئين، ومن ثم التخلص من حقهم المشروع المثبّت دولياً في العودة إلى وطنهم فلسطين العربية ومعهم سائر فلسطينيي الشتات في العالم. فهذه "الوكالة" تقدم خدمات إنسانية حيوية في منتهى الأهمية لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في 58 مخيماً في القدس الشرقية والضفة والقطاع والأردن ولبنان وسوريا، وتشمل هذه الخدمات: التنمية البشرية والتعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية والإغاثة والخدمات الاجتماعية وتوفير لوازم البنية التحتية.
أكثر من ذلك فإن حظر الأونروا سيحوّل حياة اللاجئين الجُدد الناجين من المحرقة الصهيونية إلى جحيم حقيقي، ناهيك عن اللاجئين الأصليين الذين يشكلون معظم سكان القطاع (سكانه أكثر من مليونين).
ورغم الضجيج والفوضى العارمة التي أحدثتها الأغلبية اليمينية العنصرية داخل الكنيست، للتشويش على مداخلات النواب العرب العشرة داخل الكنيست، إلا أن هؤلاء، وفي طليعتهم النائبة التقدمية الفلسطينية عايدة توما سليمان48)، تمكنوا بشجاعة وبالدلائل والأسانيد التي لا تُدحض من فضح مرامي مخطط قرار حظر الأونروا والجذور التاريخية المبية لتحيّن الفرصة لاتخاذه بلا وجه حق، وهذا ما سبّب خروج نواب الأغلبية العنصرية اليمينية عن طورهم، رغم امتلاكهم الأغلبية الساحقة لتمريره وهو ما فعلوه. ورغم الإدانات العربية والدولية لهذا القرار الخطير، إلا أنها بحاجة لضغوط عربية رسمية ودولية ملموسة وفعلية داخل الأمم المتحدة لحمل الدولة العنصرية الصهيونية على التراجع عنه، وبخاصة إزاء الولايات المتحدة التي يخشى منها التصويت بالفيتو ضد أي قرار من هذا القبيل، باعتبار أن الدولة الصهيونية العضو في الأمم المتحدة والتي استمدت شرعيتها الدولية عام النكبة من قراراتها، أضحت اليوم دولة عنصرية مارقة لا تتورع عن هدم وكالة إنسانية تابعة للمنظمة الأممية تعد الأونروا من أهم وظائفها لإغاثة شعب بأكمله من الكارثة التي وضعته فيه الدولة الكيان وقبلت الأمم المتحدة عضويتها دون الالتفات لمصير ووضع الشعب المنكوب المطرود من أراضي وطنه.