القسم الثاني

في العهد الملكي الجديد العراق، سرعان ما دب الخلاف مع الحكومة المركزية وكان القرن العشرين حافلاً بالتمردات والخلافات ومنذ البداية تنصلت بريطانيا والمملكة العراقية من وعودهما بجعل الكرد شركاء لكنهم بدلاً من الشراكة حلت السيطرة والهيمنة مما جعل الكرد ينظرون بعين الريبة لهذا الشريك الجديد الذي اعلن السيطرة على كردستان العراق وخلال الحكم الملكي حدثت عدة انتفاضات وتمردات ومظاهرات وهيأت الأوضاع في كردستان العراق مع باقي محافظات العراق لثورة ( 14 تموز 1958) ، ثورة تموز جاءت لكي تعيد البعض من الأوضاع الى وضعها الطبيعي فأكد الدستور الجديد على مشاركة العرب والكرد في الوطن وهي بادرة جيدة إلا أنها بقت تراوح في مكانها على الرغم من العفو عن قادة الكرد وفي مقدمتهم ملا مصطفى البرزاني وعلى الرغم من الإعلان عن الاخوة العربية الكردية  لكن سرعان ما بدأ العد التنازلي ثم قيام ثورة 11 / أيلول / 1961 وراحت الأمور تتعقد يوماً بعد آخر وبخاصة بدأ الحملة العسكرية وتوغلها في مناطق كردستان، الأوضاع في البلاد لم تكن مستقرة وكان التآمر عبارة عن تخطيط جديد للإطاحة بثورة 14 / تموز وهذا ما تسنى لقوى الردة الرجعية وتحالفاتها مع البعث العراقي والجهة القومية والبعض من الضباط وفي مقدمتهم عبد السلام عارف فكانت الانتكاسة ونجاح انقلاب 8 / شباط / 1963 الدموي، ولم تستقر الأوضاع في كردستان لا حقا أبان الحكومات المتعاقبة حتى قيام الانقلاب الثاني وعودة حزب البعث وتحالفه مع ضباط مدعومين من قبل المخابرات الامريكية والإنكليزية ، لقد حدث تطور طفيف بخصوص الحقوق المشروعة للشعب الكردي وكانت اتفاقية ( 11 / آذار / 1970) من اجل الحكم الذاتي لثلاث محافظات ذات الأغلبية الكردية وضمن حدود مشتركة  وهي محافظة دهوك ومحافظة أربيل ومحافظة السليمانية ، اما كركوك فقد كانت هناك خلافات حولها لا بسبب اغلبية السكانية بل الحقيقة وجود آبار البترول واهميتها للحكومة كما نصت الاتفاقية على قضايا أخرى مثل " تمثيل الكرد في هيئات الدولة " تنفذ خلال أربعة سنوات، لم يكن نظام البعث صادقاً لا مع القضية الكردية ولا مع تحالفاته السياسية وكلما في الأمر اعتمد سياسته الميكافيلية التي  انتهجها صدام حسين للتخلص من كل ما يعيق استلامه رئاسة الجمهورية وإبعاد حتى اقرب الاشخاص اليه احمد حسن البكر وبهذا الحقبة استولى صدام حسين واصبح الدكتاتور المطلق فانتهت اتفاقية ( 11 / اذار/ 1971) وانتهت قضية التحالف مع الحزب الشيوعي العراقي وخلال حقبة توليه السلطة كاملة كانت القضية الكردية عبارة عن حبر على الورق وشنت السلطة حملاتها التدميرية متزامنة مع قتل عشرات الآلاف من الكرد وتهجير مئات الآلاف حسب خطط شوفينية عنصرية  وكذلك استخدام الأسلحة المحرمة دولياً  ثم حملة الانفال المشؤومة التي شنتها القوات العراقية للنظام الدكتاتوري بقيادة صدام حسين ضد الكرد العراقيين في كردستان خلال عامي ( 1988و1989) حيث قدرت اعداد الضحايا اكثر م ( 180) الف كردي  هذه الضحايا وضحايا الأسلحة المحرمة دوليا إضافة للذين سجنوا او قتلوا او شردوا، في الختام اصبح الحكم الذاتي عبارة عن يافطة يرفعها النظام السابق حسب مصلحته ومتى يريد.

ان نتائج سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 تحققت باحتلال البلاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وكان الامل يراود القوى الوطنية بحقبة جديدة من اجل البناء والتخلص من التركة المظلمة وان من اولويات هذه الحقبة قيام الدولة المدنية ووفق دستور عادل وحل أكثرية المشاكل بما فيه انهاء الخلافات بخصوص  قضية الشعب الكردي وتحقيق الفيدرالية وانهاء النزاع حول المناطق المختلف عليها والتي كانت محط العديد من التمردات والحروب والانتفاضات التي قام بها الكرد العراقيين ضد الحكومات المتعاقبة هذه التركة الثقيلة العقدية ارتحلت الى الأوضاع الجديدة بعد 2003  على الرغم من وجود المادة 140 من الدستور الجديد للجمهورية العراقية حيث نصت حول " المناطق المتنازع عليها " بعد الاحتلال والسقوط في نيسان 2003 والآليات لثلاث كمراحل

1 ـــ التطبيع أي حل الخلافات حول التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك ومناطق متنازع عليها اوجدها النظام الدكتاتوري

2 ـــ الإحصاء السكاني للمناطق لمعرفة التركيبة السكانية الجديدة بعد عمليات التهجير والاستيلاء على المناطق

3 ـــ اجراء الاستفتاء حول رغبة المواطنين في هذه المناطق وحدد تاريخه قبل ( 31 / كانون الأول / 2007 )

4 ـــ شكلت لجنة اثناء حكومة إبراهيم الجعفري برئاسة حميد موسى من اجل تطبيق المادة 140 لم تستمر بعد ان جاء نوري المالكي حيث شكلت لجنة جديدة أسندت رئاستها الى وزير العدل حينها هاشم الشبلي الذي استقال من منصبه ليحل محله رائد فهمي، لأسباب وتدخلات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي فقد اعيد تشكيل لجنة جديدة في ( آب / 2011 ) انيطت رئاستها لوزير النقل هادي العامري وكانت هناك اعتراضات على تعيين هادي العامري، إلا أن التعقيدات والتدخلات السياسية والفنية  حالت دون تطبيق المادة المذكورة حتى من قبل الحكومات التي تعاقبت بعد نوري المالكي حيث أصبحت مشكلة جدلية بين الأحزاب والتنظيمات الشيعية والسنية واعترض البعض وبخاصة العرب والتركمان في كركوك بأن المادة 140 قد انتهى سقفها الزمني في ( كانون الأول / 2007 ) وتحت حجة واهية "تعديل الدستور "  صبت في تأجيج الصراع والنزاع ثم خلافات عديد من بينها قضية الجمارك والنفط ورواتب الموظفين في الإقليم، كما طغت تعقيدات جديدة  على أثر الخلافات بين الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني وتقاسم النفوذ ، إن الخلاف الكردي الكردي أدى الى تشجيع القوى التي تهدف الى افشال المادة ( 140) ووضع  العصا في إيجاد حلول منطقية للخلافات ما بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم وذلك تحت طائلة " لينهي الكرد خلافهم وانقسامهم اولاً " وقد عملت هذه القوى المعادية للإقليم والكرد جهد ما تستطيع فعله حيث اهملت ثم اركنت المادة المذكورة على الرف في محاولة لإلغائها او انهائها تقريبا منذُ  وزارة نوري المالكي ثم حيدر العبادي والدكتور عادل عبد المهدي الذي اقيل بسبب انتفاضة تشرين والمظاهرات المضادة وآخرهم مصطفى الكاظمي، اما حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حيث اعلن وزير العدل خالد شواني موافقة "رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني على إعادة تشكيل اللجنة العليا لتفعيل المادة 140 الدستورية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان" مما اثار الكثير من التساؤلات بعدما عطلت المادة المذكورة في عام ( 2014) والجميع عرف انها كانت وما زال خلاف مركز  فرز الكثير من التفاعلات بما فيها على المستوى الأمني في وبخاصة في كركوك والمناطق المتنازع عليها، ان الادعاء العدواني بانتهاء زمنية المادة ( 140 ) من قبل البعض حسمته المحكمة الاتحادية العراقية واعلى سلطة قضائية وانهت الجدل السياسي والقانوني وأقرت المحكمة في بيان رسمي "بأن هذه المادة لا تزال سارية المفعول إلى حين تنفيذ كامل مُتطلباتها الخاصة بإعادة الأوضاع في المناطق العراقية المُتنازع عليها إلى ما كانت عليه قبل عمليات التغيير الديموغرافي عبر التهجير وإسكان القادمين الجُدد، التي مارسها النِظام العراقي السابق"

ان موضوعة اعتماد العلاقة الطبيعية مع الكرد وحكومة الإقليم مازالت تشغل الرأي العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية لأنها مفتاح حل المشكلة لترتيب البيت العراقي وانهاء حالات التوتر السياسي والأمني ثم لتنتهي المماحكات السياسية بين القوى العربية والكردية والتركمانية ويجب معالجة قضية كركوك وفق مفهوم الأغلبية للقوى السياسية الكردية في مجلس محافظة كركوك وانهاء قضية المحافظ المؤقت الذي عين من قبل الحكومة العراقية ، كما هناك قضية مهمة أخرى ان يجري الاتفاق الى حين تطبيق المادة المذكورة المنصوص عليها في الدستور حول اشتراك قوات البيشمركة والمؤسسة الأمنية الكردية في إدارة المناطق المتنازع حولها مثلما كانت بعد ( 2003 )

اذن يجب

اولاً: على حكومة محمد شياع السوداني عدم الرضوخ لتأثيرات بعض القوى الشيعية داخل حكومته وخارجها من الحلفاء التي تتمثل في استمرار النزاع مع حكومة الإقليم ، وفي البداية حل الأشكال حول رواتب عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين والعاملين في المؤسسات الأمنية "البيشمركة والاسايش "، ثم انهاء تعدد نقاط الجمارك التابعة للميليشيات التي تسلب التجار وغيرهم بدون وجهة حق وقضايا اخرى

وثانيا : من المهم ان تقوم القوى السياسية الكردية بأنهاء الخلافات الداخلية وتوحيد الموقف السياسي والأمني والجغرافي والتخلي عن الموقف المتعصب وتبني التعاون الإيجابي لمصلحة الكرد اجمعهم وبخاصة قضية الرواتب، وانهاء هذا التقسيم في مناطق السيطرة والتفتيش واعتبار جميع العراقيين مواطنين لهم الحق في الدخول إلا من تثبت ادانته او اشتراكه بأعمال إرهابية ضد الدولة والاقليم.

عرض مقالات: