ليس غريبا أن يجري ابعاد دخلاء على بلد ما، ولكن الغريب أن تقوم السلطات الحاكمة باقتلاع مواطنين اصلاء من وطنهم وتهجيرهم الى بلد آخر بحجة أن اجدادهم جاءوا من هناك، فتلك لعمري جريمة لا تغتفر، علما ان تخطيط الحدود بين العراق وجيرانه خضع لتعديلات عديدة والكثير من القرى والبلدات تغير وضعها حسب القرارات المختلفة التي اتخذت بموجب المعاهدات الدولية التي عقدت بعد حروب أعطت الحق للمنتصر برسم الحدود وأشهرها معاهدة سايكس بيكو                 1916م التي قسمت الشرق الاوسط بين بريطانيا وفرنسا.

مارست السلطات الحاكمة في العراق سياسة تهجير الكورد الفيليين منذ الخمسينيات أبان الحكم الملكي، حدث ذلك بعد انتفاضة مدينة الحي عام 1956، المدينة الصغيرة التي تبعد نحو 45 كيلومترا عن مدينة الكوت، وهي قضاء تابع للواء الكوت آنذاك (حاليا محافظة واسط).

 ترسخ النشاط الثوري في مدينة الحي منذ أربعينات القرن الماضي وأصبحت بؤرة لنشاط الحزب الشيوعي، وامتد تأثيرها الى القرى المحيطة بمدينة الحي. وقد صور الكاتب شمران الياسري النشاط السياسي الثوري في ريف واسط تصويرا شيقا في رباعيته (زناد، بلابوش دنيا، غنم الشيوخ، فلوس حميد).

شهدت مدينة الحي عدة تظاهرات واشتباكات مع الشرطة في الخمسينيات من القرن الماضي. وحين حدث العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حدثت اضطرابات في مدينة الحي واشتبكت الشرطة مع المواطنين فقتلت البعض واعتقلت آخرين فأضربت المدينة.

شارك في حصارها نحو 1500 شرطي وضابط. ثم هاجموها بسيل من النيران. فاستبسلت الجماهير في الدفاع عن المدينة ومواجهة الشرطة التي استباحت المدينة واعتقلت وعذبت حتى النساء والاطفال، وشوهد البوليس وهو يجهز على الجرحى احيانا (وأنذرت الحكومة 250 عائلة كردية فيلية بوجوب مغادرة المدينة. وسفرت 11 عائلة منها الى إيران. وهرع المجلس العرفي العسكري الى الكوت ليصدر احكامه بالجملة على المواطنين من أهل المدينة وحكم على قائدي الدفاع عنها الشيوعيين علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس بالإعدام ونفذ الحكم في الحال) *

........................

* ينظر كتاب عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي   ج 2 ص 206-209.

 ورواية شمران الياسري الرباعية ج2 بلابوش دنيا، ص 75.

عرض مقالات: