كانت قد بدأت مسيرة التغيير الديمقراطي التي اوقدت نبراسها انتفاضة تشرين الباسلة، حيث انعكس اثرها الايجابي على نتائج انتخابات عام 2021 البرلمانية، ومن ثم تشكيل " التحالف الثلاثي " الذي كان يتوقع له مستقبلاً واعداً بدحر منهج المحاصصة. وارساء حكم الاغلبية الوطنية. إلا ان تحالف خصوم الديمقراطية مستعيناً بالتدخلات وبالاحابيل الماكرة، خلف ما سمي بـ " الثلث المعطل " المفتعل، وبفعل عدم رصانة جبهة التحالف الثلاثي، الذي ادخلها في حالة تراجع مستغرب خلص الى انسحاب احد الاطراف الاساسيين. كما لحق به الطرفان الاخران مهرولان خلف وعود مخادعة، غير متعضين من نتائج وعود مماثلة سابقة، تاركين المراح فاضياً امام الخصوم.
ان الخاسرين " المنتصرين " المعبئين بروح الانتقام وعبادة المال والسلطة قد وجدوا الطريق معبداً امامهم، لا سيما بعد ان جمدت ملايين من جماهير التيار الصدري عن حراكها في الشارع، وانكسار الانتفاضة. ضاعف ذلك بعزم اولياء المحاصصة همة واقدام للقيام " بثورة ردة " كاسحة وفقاً لنهج الازاحة وقطع دابر عودة الانتفاضة. وما انتجته من تحول كان جديراً بحشرهم في زاوية ميتة، فكان اول الضحايا الردة تغيير قانون الانتخابات. حيث ابدل بقانون انتخابي ظالم، المسمى " سانت ليكو " والمفصل على مقاسات المتسلطين . ثاني هدف هو ازاحة رئيس المفوضية، ثالث خطى الازاحة. الغاء الانتخابات المبكرة، ورابعها التملص من شروط اتفاق تشكيل الحكومة، الذي ادخل حتى في البرنامج الحكومي بـ ( وثيقة شرف). وتتوجت مؤخراً عملية تصفية منجزات الانتفاضة بضربة قاضية تمثلت بإزاحة رئيس مجلس النواب. الذي جاء انتخابه على إثرها.
إن المستقرأ اعلاه في لوحة الوضع السياسي الحالي يفهم منه بانه لن يكون الخطوة الأخيرة، إذ مازالت ماكنة الازاحة تسحق الحريات واتساع الفساد والتجاوز على القوانين، ونهب ممتلكات الدولة وغيرها. اما معضلة انتخابات مجالس المحافظات وما يتصل بها لكونها ملغية من قبل الانتفاضة التشرينية، فكان مسعى المتنفذين على اشده في سبيل عودتها، وعليها وبحفيف عجالة استثمار نتائج الانتخابات، فليس ببعيد عن نوايا السيطرة والاحكام المطلق على عتلات السلطة. كما تدرج ضمن عملية الازاحة اسقاط " رئيس مجلس النواب " بطريقة دراماتيكية " ملبلبة " مسنودة بقرار المحكمة الاتحادية المدثر المفتقر للشفافية.
ولسنا هنا بصدد الدفاع عن رئيس البرلمان ولا نشكك بقرار المحكمة، بقدر ما نبحث عن الشفافية غير الملموسة الى حد ما. سيما وان رئيس البرلمان قد فند الاجراءات القانونية المساق وفقاً لها.. ولا يفوتنا ان نؤكد احترامنا لقرار المحكمة الاتحادية.. كما اننا لانستبعد دواعي ازاحة السيد الحلبوسي بدوافع انتخابية. حيث تبين في الحملة الانتخابية الحالية تفوقه جماهيرياً على منافسيه الذين يصطفون مع خصومه السياسيين في السلطة. فضلاً عن كونه احد اقطاب " التحالف الثلاثي " وقد انتخب لرئاسة البرلمان في ظله. ولا ينبغي نسيان الركن الاول للتحالف المتمثل بالتيار الصدري الذي قد ازاح نفسه متخلياً امام الضغوط الظالمة التي تسلطت عليه. وجاء مؤخراً دور الركن الثاني" تحالف السيادة" الحلبوسي وحلفائه. ولكن في مطلق الاحوال لم تتمكن القوى المعادية للديمقراطية وسيادة القانون ان تزيح كافة اثار وافكار انتفاضة تشرين المتجذرة في نفوس جماهير الاغلبية الديمقراطية المناضلة في سبيل التغيير الديمقراطي وارساء حكم العدالة الاجتماعية .