الترقب السلبي أخذ يتسع. انعكاساً عن وحدة وصراع الارادات الحاكمة، وتداعيات الحرب القائمة غير المعلنة بين الحابل والنابل، من صلب ذات البين. اما الجموع الغاضبة تراها داخلة في عمق مربع الازمة، حيث أن الغضب حاصل تراكم المعاناة لدى الناس. إن ما تعلمناه من دروس التاريخ السياسي لابد من حتمية انفجار جماهيري مرتقب، إذا ما دام هذا الحال المتداعي. غير ان المتربع على سدة الحكم صار يعيش (ربيعاً مزدهراً)، ومن عليائه يرى حال الغلابى كأنهم ذباب يحوم حول موائده الدسمة، ليبدد جوعه حالماً بالشبع. والأدهى من ذلك يقول المتنفذ انه صنع حياة مستقرة، ودولة شامخة منطلقاً من واقع حاله فقط.. نعم يشاهد في الاسواق ازدهاراً تجارياً ومولات منتشرة تحوي أرقى البضائع، كما تنط عمارات شاهقة مجهولة التموين والملكية تحت ستار الاستثمار، وتشاهد ايضاً السيارات الفارهة قاطعة انفاس المرور في الشوارع.. ولكن كل ذلك يدور في حيّز طبقة الاغنياء المتنفذين بالسلطة، وليس للفقراء فيه نصيب.
يؤكد علم حركة التطور بان العوامل الداخلية هي الحاسمة في عملية الانتقال من حال إلى حال مختلفة. فكل ماتقدم من تفاعلات داخلية يؤشر إلى أن عوامل الانهيار او الانفجار او ساعة صفر الدمار آتية. ولا شك أن العوامل الخارجية هي الاخرى لها دور فاعل، وهي تبدو في عراق اليوم قد غدت توازي ما يعتمل في الداخل لدى ساعة التغيير. لعلها ليست بحاجة إلى مجهر لرؤيتها. وعلى سبيل الذكر وليس الحصر . الدولار وفعله المؤذي داخلياً مثلاً، لا شك في أن محركه عامل خارجي، كما ان سياقات السياسة الحكومية عموماً على وجه التعيين لا تبرأ من الايحاءات الخارجية. ولا يغيب عن بال المواطن العراقي أن الهرولة وراء الحرب وامتشاق السلاح المنفلت لاموجب ملح له، إلا ان العوامل الخارجية بالدرجة الاساس هي التي تقتضيه، وهذا ما يشكل محنة مدمرة.
ان كل ماتقدم يتجلى في حالة تشابك وتفاعل بين مختلف العوامل خارجية وداخلية على حد سواء، التي تضغط لتشكل حتمية حدوث الانفجار. إن هذه العوامل الخطيرة تدعو إلى التساؤل حول من هو المسؤول عن ما سيتمخض من كوارث فاتكة؟ صحيح أن بعض التفاعل الداخلي انبعث من وجود وشائج تربطه بفعل خارجي. حيث تجسد ذلك في الموقف من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة.. اذ أنه قد اثار الحمية الاخوية والانسانية لدى الشعوب ضد جرائم الابادة الجماعية البشعة التي ارتكبها الصهاينة في غزة، الذين قد جُلبوا من شتات الارض، ومن قوميات مختلفة ولكن ظلت دولهم الغربية ترعاهم مع انهم غدوا مواطنين في الكيان الإسرائيلي. وقدمت لهم اقوى انواع الاسلحة والمساعدات المالية والسياسية بسخاء حريص، في حين كان وما زال دعم الحكومات العربية للفلسطينيين يقتصرعلى مجرد عطاء "عطوف" لايتجاوز الطعام كالذي يوزع في شهر رمضان على الفقراء.
بالمناسبة ان الفرق بين كلمة غرب وكلمة عرب هي نقطة، قد سقطت عن جبين العرب.. فهل هي نقطة " حياء " جعلتهم لايخجلون من عدم تقديم معونات كالتي يقدمها الغرب لشتات ابنائه المستوطنين في فلسطين ؟؟. ان الحرب اول مستلزماتها هي الاسلحة النارية وبعدها تاتي الانواع الاخرى. لان القوة النارية العدوانية لاترد ولا يوقفها الا توازن القوة.