قانون حظر الألعاب المحرضة على العنف رقم ٢ لسنة 2013 حرم الاستيراد أو تصنيع أو تداول أو بيع الألعاب المحرضة على العنف ومنها الألعاب النارية،جاء ذلك في المادة الأولى منه، وأضاف، يعاقب القانون على ذلك العمل بالحبس ٣ سنوات وبالغرامة ١٠ مليون دينار لمن يخالف هذا التشريع .ولكن في المناسبات والأعياد تنتشر مثل تلك الألعاب وتمارس دون ضوابط في شوارع المدن العراقية. وهذا الشيء يشي بوجود خرق فاضح للقوانين، ووجود شبهة تواطئ بين بعض الأوساط في مؤسسات الدولة والأطراف المنتفعة من المتاجرة وبيع تلك السلع، مما يجعل الجهات المعنية بتنفيذ القانون أي وزارة التجارة غير قادرة على منع استيرادها وبيعها وانتشارها، أو غير موقنة بخطورة ما يعنيه تداول مثل هذه البضائع المؤذية ، ولم تضع في الحسبان كون هذه الألعاب تشكل ليس فقط عامل خطورة وإيذاء للطفولة، وإنما تعد عملية تخريب متعمد لنفوس أجيال قادمة، سوف تبقى متمسكة بلغة السلاح والعنف كحلول حاسمة للنزاعات والخلافات. بل هناك ما يشير لكون المؤسسات المسؤولة مغلولة الأيدي لا تتجرأ على أخذ زمام المبادرة والسيطرة على استيراد وبيع هذا النوع من الألعاب، بالرغم من وجود القانون والتحذيرات الكثيرة والتنبيه الذي أطلقه الكثير من السياسيين والمواطنين الذين يستشعرون الخطر من عمليات الإيذاء والعنف المتولد جراء تلك الألعاب.
لحد الآن تفتقر المؤسسات المسؤولة عن إنفاذ القانون وهي وزارة التجارة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية لسلطة ردع حازمة تأخذ بالحسبان وضع الشارع العراقي المحتقن،وما تسببه تلك الألعاب من إيذاء وخسائر مادية وبشرية. وبالرغم من قيامها بتنظيم العديد من الورش لدراسة الظواهر الاجتماعية المسيئة والخطرة، ومحاولاتها وضع الحلول للسيطرة عليها. ولكن في المخارج النهائية لتلك الورش، دائما ما تضيع الجهود هباءً في زحمة ترديد النصائح والشعارات. ونجد أن الترويج للمصالحة الوطنية والسلم المجتمعي الذي تتشدق به بعض الأوساط السياسية والمجتمعية لا يصل لمستوى الأحداث والمخاطر التي تسببه تلك الألعاب، ولم نلمس معها نتائج عملية وعقلانية على أرض الواقع. فاستراتيجيات وسلوك تلك الأطراف يجافيان كليا تلك القيم الحريصة على وضع الخطط والمعالجات السليمة لتدارك تفشي مثل تلك الظواهر، بل بات واضحا كون ازدواج المعايير هو النموذج الظاهر لتفسير الكثير من الأفعال والأعمال المستهجنة وغير الأخلاقية التي ترتكب ويجري التمويه عليها بمقولات مخادعة ومضللة.
تنشئة الطفل والحفاظ على خصوصياته ومنع الأذى عنه ووضع الخطط المناسبة لرعايته من أولى مهام الدول والجماعات المتحضرة (أقول المتحضرة) وقد ذهبت الكثير من المقولات الدينية عند مختلف شعوب الأرض، وكذلك القوانين الوضعية لذات الاتجاه. ونصت اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي تعتبر جمهورية العراق إحدى الدول الموقعة عليها، في المادة 29 منها على:
* توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو:
ــ تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكانياتها.
ــ إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح من التفاهم والسلم
والتسامح.
ــ تمنع أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
ونصت المادة 17 من ذات الوثيقة على:
تعترف الدول الأطراف بالوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة تلك التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية، وتحقيقا لهذه الغاية، تقوم الدول الأطراف بما يلي:
ــ تشجيع وضع مبادئ توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بصالحه.
وذُيلَ القانون العراقي لحظر الألعاب المحرضة على العنف رقم ٢ لسنة 2013 ، بالأسباب الموجبة لتشريعه، حيث حدد ذلك، وببغية نبذ العنف بين الأطفال وليكون هدفا في إشاعة روح التسامح والتعاون وتقديم السلوك الاجتماعي والتربوي لخلق جيل سليم، هكذا.
والغريب أيضا أن المادة المدونة في الدستور العراقي الذي صوت عليه عام 2005 تحمل ذات الرقم الموجود في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة وهو الرقم 29 الذي يشير فيه الدستور العراقي:
ـ تتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشئ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
ـ يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم.
ـ تمنع أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
بينت إحدى الدراسات المتخصصة لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في بغداد، أن عدد الأطفال الأيتام في العراق يقدر بنحو 5 ـ 6 ملايين طفل وهم في تزايد نتيجة الوضع الأمني غير المستقر والسلاح المنفلت وحالات العنف الأسري والبطالة والمخدرات.وفي مواجهة هذا الوضع المأساوي فأن المؤسسات الحكومية تفتقر لرؤية واضحة ومنهج فعلي يتبنى إستراتيجية تعنى بشؤون الطفل اليتيم والمشرد، والأدهى من ذلك، إنها وفي الكثير من الأحيان جعلت الأمر سائبا وعلى قاعدة ((لها حلال الذي يحلها)).ولم تبذل تلك المؤسسات الجهود المناسبة بما يساعد على إنقاذ الطفولة وكفالة الطفل والحفاظ عليه ومنعه من الانزلاق والسير في المسالك والطرق الخطرة والمؤذية.
ومع ضخامة الأعداد المنتشرة في شوارع العراق لم نر حلولا واقعية ومباشرة ومستعجلة من المؤسسات العراقية للسيطرة على العمالة المبكرة للأطفال والتسرب من المدارس وأطفال مخيمات النازحين وأرقام اليتامى والمشردين المتزايدة لا بل المرعبة، ومحاولات إشراكهم بمختلف الجرائم مثل السرقات والاحتيال والنصب والتسول، أو زجهم بالخصومات والنزاعات العشائرية والطائفية. ويبدو أن المؤسسة الحكومية المسؤولة عن الحراك المجتمعي، باتت مقتنعة بأن مثل هذه المهام ملقاة على عاتق منظمات المجتمع المدني التي تتلقى المساعدات من المنظمات الدولية ومن بعض الخيريين ، أوترك هذا الأمر للمبادرات الفردية الخيرية لوضع الخطط والبرامج التي تدفع عن الطفل الأذى والسلوك المشين، وتمنعه من الاشتراك في العنف والولوج في عالم الجريمة.وللحقيقة فقد تبنت هذا الشأن بعض مؤسسات فقيرة شحيحة الموارد لا تقدم إلا النزر اليسير ولعدد يبدو صفرا أمام الأرقام المهولة من الأطفال اليتامى والفقراء والمشردين.
ومن النماذج التي من الممكن أن تعطي الصورة الحقيقية لعدم الاهتمام بل التقصير بشأن الطفولة ذلك المشهد الغريب والمستهجن للمؤسسات الحكومية التي نأت بنفسها بعيدا وهي تشاهد القسوة والعنف في ممارسات غير حكيمة يتم فيها استغلال الطفولة لاستدرار العواطف والشحن الروحي والطائفي من خلال إشراك الصبيان والأطفال في العديد من المناسبات ودفعهم لممارسة التعذيب الجسدي والنفسي في عمليات جلد وشطب الأجساد بالآلات الحادة الجارحة.ومثلها أيضا الانتشار الواسع لألعاب السلاح وآلات العنف.
فإن كانت سلطة حزب البعث قد عملت على تغذية روح القسوة وتنشئة أجيال من العراقيين المخربين نفسيا وجسديا بمشروعها الفاشي، وفي واحدا من أبعاده المجنونة المتمثل بعسكرة المجتمع، مثل زج صغار السن في معسكرات الفتوة وجيش القدس والطلائع.فأن الحكومات المتعاقبة ما بعد سقوط البعث أهملت كليا شأن الطفل وتركته وحيدا في مواجهة وضع مأزوم ومنفلت وفقر مدقع، وحال يغري البعض من تجار ومروجي العنف المجرمين لاستغلاله وإشراكه في عالم الجريمة الواسع.
رغم تحذيرات منظمات المجتمع المدني المهتمة بشؤون الطفل من انتشار ثقافة استخدام لعب السلاح بين الأطفال فأن الحكومة مازالت إجراءاتها قاصرة تجاه تصرف مجرمي وتجار العنف والحروب من الموردين لهذه الألعاب، الذين لا يهمهم غير كسب الأرباح وبعد ذلك فليأتي الطوفان. ففي مفارقة غريبة يطابق صبية الشوارع في ألعابهم بين مشاهد العنف في الألعاب الالكترونية مثل (خماسي،بوبجي، معركة الشوارع،تيك توك، معركة بغداد، القوات الخاصة) وهذه الألعاب اليوم تجعل الطفل يحاول محاكاة مشاهدها ويقلد حركات شخوصها في إعادة تمثيل لأفعال القتل والنزاعات بين الشرطة أو الجيش بمواجهة العصابات والجيوش المقابلة، أو تمثيل لعمليات الاغتيال ومشاهد السطو المسلح ونصب الدوريات والكمائن.وقد استطاع تجار الألعاب ومنها ألعاب السلاح تغذية السوق العراقية بالكثير من أنواع اللعب البلاستيكية والأقراص الليزرية التي تحاكي فعل العنف والمعارك الطاحنة والسلاح المنفلت، دون أن يكون هناك ضوابط أخلاقية تبعد مناظر القسوة هذه عن أذهان وأرواح الأطفال والصبية. فصاحب المتجر يستعد لاستقبال الأعياد والكثير من المناسبات بضرب القانون عرض الحائط، ويقوم بتوفير وتهيئة أنواع عديدة من لعب الأطفال وبالذات لعب الأسلحة التي تضم نماذج متنوعة لبنادق ومسدسات ومفرقعات لكونها الألعاب الأكثر رواجا ومبيعا بين الأطفال وهي المفضلة لديهم بعدما اعتادوا مشاهدتها على حقيقتها وسماع أصوات لعلعتها في الكثير من المناسبات .وهي بالنسبة لهذا التاجر تدر عوائد جيدة.
ربما أن المشرع العراقي لم يلتفت لنوعية الإلزام الموجب وضعه من أجل أن تأخذ به السلطات للحد من مثل هذه الحالات، لذا لم يضع في حساباته أن لا وجود لتشابه بين شيكاغو وتكساس مع المدن العراقية، لذا فضل أن يترك الأمر على الغارب. وليس من الموجب قطع أرزاق الناس حتى وإن كان ذلك على حساب تخريب نفوس الأطفال ونشر وإشاعة لغة القسوة والجريمة بينهم.وربما لبعض المتنفذين الحكوميين أو الحزبيين خيار يتوافق مع هذا التفكير وعلى المؤسسات صاحبة الشأن الاكتفاء بالتفرج. فهناك من بين هؤلاء من يؤمن بأن لغة العنف وحوار الأسلحة من صفات وشيم الفروسية والشجاعة والأيمان العقائدي، الذي أوصت به بعض المقولات الدينية والعشائرية التي لامناص من الالتزام بها كي لا يكفر البعض ويخالف النواميس والأعراف والمقدسات.