ها نحن نعود لمواصلة هم الكتابة والتصدي للراهن المشتبك بعد انقطاع دام لأشهر طويلة كنا مرغمين لهذا الخيار بعد أن أعددنا إحصائية ليست باليسيرة عن فحوى ما نكتب وإمكانية الاستجابة لتسطير همومنا لأهم الإشكالات، وطنية كانت أم عربية أو دولية، ولكن يبدو أن الآذان الصماء لا تعير اهتماما للدماء التي كنا نسفحها على البياض، وتلك هي مشكلة جل الكتاب الأنقياء البعيدين عن مغريات السلطة وسدنتها وعرّابيها. والرافضين لبيع الضمائر كما هو الحال للمهزوزين أخلاقيا والجاهزين لتسخير الأقلام لمن يدفع أكثر. وهذا الأمر ظل يلازمنا منذ سلطة البعث الفاشي وحتى راهننا المرير.

مرت على العراق فواجع وكوارث خلال الفترات القريبة المتعاقبة ونحن المجردين من أدوات الدفاع والتصدي والتعبير عن التضامن وما كنا نعانيه من آلام ونفث  الحسرات لا حول لنا ولا قوة سوى التسطير على البياض ما بمستطاعنا ولكن لا سبيل للخروج من المحن والويلات والأبرياء من العراقيين بكل طوائفهم وانتماءاتهم يكابدون ويعانون دون أن يجدوا من يدافع عنهم أو يواسيهم، لا الدولة غير الموجودة أصلاـ ولا سلطة القرار، ولا أية جهة ممكن أن تسعفهم وتخفف من معاناتهم واحساسهم بالمرارة، غير تلك الأصوات المنهكة والحسيرة، لتتواصل ذات المعاناة بشكل يومي لتقض مضاجعهم وهم المسالمون والحالمون قي العيش بكرامة وامتلاك الإحساس بالمواطنة والامن والعيش الكريم، أما الطرف الشرس الآخر ممن كان يعاني ذات المرارات زمن الطاغية واليوم تنعّموا بخيرات البلاد والسحت الحرام و تناسوا العباد من بني جلدتهم وابتعدوا كثيرا عن أي موقف انساني وكأنهم جاءوا للانتقام من الشعب المظلوم، بل وتكالبوا على تكريس الطائفية والمحاصصة والظلم والجوع والبطالة واهمال ما يمكن إصلاحه لترميم على اقل تقدير الشروخ والفتوق التي رافقت العراقيين منذ بداية سلطة البعث الغاشم حتى راهننا الكارثي.

ان ما يمر به العراق اليوم وبقاء دار لقمان على حالها تتراوح في ذات المعاناة وتزايد حالة العوز والفاقة للسواد الأعظم من العراقيين، وها نحن ندور في ذات الدوّامة ولا من سبيل للخروج من الطامة الكبرى التي باتت قدرا لعينا يلازمنا إن كنا داخل الوطن أم خارجه، لنتساوى مع من في الداخل ممن يواجهون ظلما وحيفا من لدن من كنا نتوسم فيهم خيرا بعد سقوط الصنم، ولكنها كانت الصدمة التي لم نستوعبها ليومنا هذا ولا من سبيل من الخروج من نفق المحاصصة والفساد والإثنية والطائفية والانفلات الأمني وسواها من تردي الأوضاع وفي شتى المجالات والتفاصيل، حتى عاد العراقي مستسلما لقدره وتقبل  على مضضن الآتي من المفاجئات الكارثية وما أمضّها وأكثرها.

وما عسانا ونحن نستذكر أحداث البلاد جنوبها وشمالها وسطها شرقها وغربها، لتتوحد جحافل العراقيين في ذات المفاجئات المذلة، المحسوبة وغير المحسوبة، ليواجهوا ما مخبئ لهم ومنْ منْ؟ من رعاع المجتمع وأنصاف الجهلة والمتسلقين والانتهازيين وهم يتنعمون بخيرات بلد أينما تتجه تجد عطائه موزعا على كامل التراب العراقي، ولكن من المستحوذ على كل هذا الخير العميم سوى من ذكرناهم من دونية القوم ورعاعهم ومن عافته الدنيا والخلق ليتسابقوا على النهب والسرقات وتكريس الطائفية والمحاصصة المقيتة في بلد يشهد له القاصي والداني بأنه مهد الأمجاد والحضارات والإنجازات الإنسانية. أليست تلك سخرية الأقدار ومهازلها؟         

يعلم العراقيون حجم الكوارث التي مرت بهم وما زالت لتكون زادا يوميا بكل سوءاته وبلاويه ولا من سبب اقترفوه سوى انهم بشر مسالمون ووديعون ينشدون الحياة الكريمة والتمتع بخيرات بلدهم المعطاء، ولكن منْ منْ العراقيين المتضررين من الوضع القائم والمزري من له القدرة والامكانية لنيل ما يسعون اليه من الحصول على اللقمة الهنية والاحساس بالأمان والتمتع بالكرامة الإنسانية وقبل كل شيء الشعور بالمواطنة الحقة وأن هناك خيمة تحميهم من لفحات الزمن الغادر، خيمة ظليلة أسمها الوطن؟

  ماذا يتبقى لإنسان يفقد الإحساس بالمواطنة، وأين يذهب إذا ما جار به الزمن؟ أما شعر يوما هؤلاء العتاة ممن استحوذوا على خيرات البلاد وحولوه الى ضيعات وتابع لمن لا يريد الخير له حين كانوا مشردين في اصقاع الكون ولا من يمد لهم يد العون والاحساس بالأمان، أم أنهم تحولوا الى مخلوقات أخرى انسلخت عن الأمس القريب عن ماضيها لتتحول بقدرة قادر الى مجموعة من الجلادين والبغاة بعد أن كانوا ضحايا للجلادين من ازلام البعث الفاشي، كما يدعون؟

إننا حقا في حيرة من أمرنا بعد أن اختلط الحابل بالنابل وعدنا غير قادرين على تلمس الأشياء وتشخيصها حين نكون بأمس الحاجة لمعرفة الصالح من الطالح، بعد أن أصبح هذا الأخير سمة ملازمة لأوضاع البلاد وحياة العباد المغلوبين على أمرهم، والبوصلة تتجه للخراب والانتكاسات لإخراج الوطن من محنه ونكباته يوما بعد يوم.

ترى ... هل تحقق للعراقيين وعيٌ هم بأمس الحاجة له اليوم بعد أن تفاقمت أوضاعهم بشكل مخيف وبات اللصوص وأنصاف الجهلة هم من يقررون مصائر الناس ليشكلوا حائلا دون تحقيق أهداف وآمال الشعب المظلوم، وها هي الانتخابات المحلية قريبة جدا ولا يوجد طريق للخلاص من براثن الوضع القائم سوى التوجه وبقوة لكنس الواقع السياسي من الطارئين والمخربين والطائفيين وفرسان السحت الحرام ممن يشكلون عقبة كأداء دون الخروج من عنق الزجاجة.

جرب المتضررون من العراقيين شتى الوسائل للتغيير وإيجاد طريقا للخلاص وقدموا مئات الضحايا وآلاف المصابين ليشرق فجر الحرية، لكنهم جوبهوا بماكنات الحقد والقتل والدونية والرصاص المنفلت، وبقي الوضع كما هو دون أن يتزحزح عن مسلسل الخراب قيد أنملة، واليوم ها هي الفرصة ستكون متاحة وسانحة للجميع من أجل التخلص من ربقة البلاء الطائفي والفساد المستشري وإزاحة الجهلة عن سلطة القرار، فهل من سبيل للحراك الفعلي والفاعل أم أنهم استسلموا للأمر الكارثي وينتظرون زلزالا سماويا يخلصهم مما هم فيه.

إنها محنة لا يمكن توصيفها إذا ما بقي الناس دون حراك فعلي والتحرك سلميا للفكاك من ربقة الفواجع التي هم عليها وفيها والانتخابات على الأبواب وأمامهم فرص لا تتكرر واحرار العراق ممن نذروا أنفسهم لقيادة الحراك الجماهيري المدني والديمقراطي، وهذا هو السبيل الوحيد للتغيير بعيدا مسلسل التآمر ولعلعة الرصاص وكوارث الانقلابات، ونحن على ثقة تامة بأن تجمع التيار المدني هو المؤهل لقيادة البلاد الى مرحلة النور وتحقيق الأماني المنشودة لكافة العراقيين والخروج من عنق الزجاجة من خلال الانتقال السلمي لاستلام دكة القرار. وها نحن ننذر. وقد أعذر من أنذر.

عرض مقالات: